انك ميت ...ابراهيم عيسى
سيادة الرئيس مبارك، سأقول لك مالم يقله لك مفتيك ولا شيخك ولا خطباؤك ولا فقهاؤك الذين عينتهم وأجلستهم بجوار كرسى عرشك يبررون ويحللون ما حرمه الله من تعذيب واعتقال وفساد واستبداد، ويحرمون ماحلله الله من قولة حق أمام سلطان جائر أو حتى عادل،
وسأقول لك مالم تسمعه من بطانتك التى تنافقك وتمتدحك وتصعد بك إلى مصاف الأبرار المقدسين ولا تنطق إلا بآيات شكرك وحمدك على مناصبهم ونفوذهم وفلوسهم
سأقول لك مالم تقرأه من كتبتك ومداحيك وطبالى مواكب نفاق السلاطين ومصاحبيك على جناح طائرتك وعرشك، أقول لك سيادة الرئيس إنك ميت .. وإنهم ميتون!
أظن أنه فى زحام سلطانك وسلطاتك وفى مشاغل لقاءاتك وتدابيرك وقراراتك ربما نسيت ياسيادة الرئيس أو تناسيت أو تجاهلت أنك ستموت كما نموت جميعا، فأنت لم تفعل مثلما فعل الفاروق عمر بن الخطاب وهو أمير المؤمنين بعد نبى وخليفة حين نقش على خاتمه هذه الكلمات (كفى بالموت واعظا ياعمر).
عمر بن الخطاب الذى كان يبكي عند سيرة الموت وهو الصحابي العظيم، كان يذكر نفسه وهو الحاكم الآمر الناهي، بالموت، كفى بالموت واعظا ياسيادة الرئيس، هل قلتها لنفسك من قبل؟ هل وعيتها ورددتها؟ ماهى آخر مرة قلت إن الكفن بلا جيوب، تعرف متى، منذ خمسة وعشرين عاما، قلتها فى خطبتك الأولى أمام مجلس الشعب، ثم كانت آخر جملة قلتها مؤخرا أمام نفس المجلس وربما ذات الوجوه أنك
باق فى الحكم حتى آخر نفس ومع آخر نبض
أين ذهبت سيرة الكفن الذى قلت أنه بلا جيوب، ثم انفتحت جيوب الوطن والمسئولين كأنها لم تعرف موتا ولا كفنا، فالبقاء فى الحكم خمسة وعشرين عاما تأمر وتنهى وترمى هؤلاء فى السجون وأولئك فى الغياهب، وتمنح مليارات وتمنع ملايين، وتعين وتفصل وترفع وتخفض،
ويمضى قرارك وحكمك فى الناس سيفا قاطعا، ولا يناقشك أحد ولا يردك راد، ولا قضي قاض على قضائك، ولا يملك شخص أن يعارضك ويرفضك، ويسبح كل من تلقاهم بمجدك وحمدك، مما يجعل أي شخص فى مكانك ومكانتك -ورغم سنك التى قاربت الثمانين- ينسى الموت، نعم السلاطين والرؤساء الأبديون ينسون الموت
وهذا مايفسر هذا التمسك المريب بالمادة 77 فى الدستور التى تجعل الرئيس أبديا فى الحكم بلا حد أقصى (مدتين فقط)، فأنت شأن كل الرؤساء الذين يمكثون فى السلطة كل هذه السنوات، صرت لاتتصور أن تنزع قميصا ألبسه الله لك كما يتخيل كل حاكم وملك يتمتع بسلطة مطلقة على شعبه الخانع الخاضع، ولهذا كان الخلفاء المسلمين مثل هارون الرشيد يستدعي واعظا كل مدة؛ فقط ليذكره بالموت، يقول له ياهارون يارشيد ياخليفة المسلمين وسلطان نصف الكرة الأرضية أنت ستموت
كان هارون الرشيد يسمع ابن السماك الواعظ المشهور الذى قال له "ياأمير المؤمنين .. اتق الله واحذره، لاشريك له، واعلم أنك واقف غدا بين يدي الله، ثم مصروف إلى إحدى منزلتين لاثالث لهما، جنة أو نار " فبكى الرشيد (أخيرا لقينا حاكما عنده دم!)، فأقبل الفضل بن الربيع –أحد بطانات الحاكم – وقال للواعظ معاتبا "سبحان الله هل يخالجك شك فى أن أمير المؤمنين مصروف إلى الجنة، إن شاء الله، لقيامه بحق الله وعدله فى عباده"
.هاهو شخص نراه سيادة الرئيس فى صور كثيرين ممن حولك الذين يصعدون بالحاكم إلى مصاف الأنبياء المرسلين، وأشك كلية أنك قد سمعت أحدا من حولك يقول لك إنك أخطأت ياسيادة الرئيس، بل إنك لم تعترف أبدا ولم تقل أصلا إنك أخطأت فى كذا وكذا فى يوم من الأيام، ولم تعترف ولم تعتذر، فاسمع تحذير وحذر الموت ولا تستمع لتخدير وخدر النفاق، دعك من النفس الأمارة، فما بالك بنفس رئيس يحكم خمسة وسبعين مليونا لمدة خمسة وعشرين سنة ولا يسمع منهم كلمة لا، اطرد غواية خيلائك وغرور إحساسك بالبقاء والخلود من طول سلطتك وانفرادك بالحكم، فأنت ميت وإنهم ميتون
سيدى الرئيس (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) سورة الجمعة آية 8 ، وتذكر يوم مات الرئيس جمال عبد الناصر فى ساعة زمن بين دخول بيته مرهقا ثم صعود سلالم ثم صعود روحه إلى بارئها فى لحظة خلت من الزعامة والرئاسة، اعتبر من مقتلة الرئيس السادات حيث كان فى بروجه المشيدة وحصونه المنيعة وجاءه الموت، لانتمنى لك هذا ولا نريده، فلا حاجة لمصر بإرهاب وقتل، ولكن الموت قادم فى فراشك كما فى طريقك كما فى مكتبك، لاتعلم بأى أرض تموت، ولكنك ونحن سنموت
فتذكر وأنت في خطبة مجلس الشعب أو في جلسة مع ترزية الدستور وتعديلاته، أو فى اجتماع مع وزير داخليتك ووزير عدلك، وأنت تتحكم فى مصائر البلاد والعباد، تذكر قول الله عز وجل (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ ) آل عمران: آية 18
زحزح عن النار ياسيادة الرئيس، فبيننا وبينها زحزحة، إما فيها وقانا الله وإياك جحيمها وجهنمها، وإما نتزحزح لننجو ونفوز بالجنة وعدنا ووعدك الله بها وسائرالناس، لتردد قبل كل خطاب أو قرار هذه الجملة القرآنية (فمن زحزح عن لنار)،
ساعتها ستراجع قرارا وتتراجع عن كثير من متاع الغرور في قصر العروبة أو شرم الشيخ أو في مبنى لاظوغلي أو فى مقر الحزب الوطني بكورنيش النيل، فقد تنجو قدم من نار وقد تفوز عين بجنة، وهذا ماأتمنى أن تسمعه. ياسيادة الرئيس محمد حسنى مبارك: إنك ميت وإنهم ميتون
الموت كما قال السابقون هو المصيبة العظمى والرزية الكبرى، وأعظم منه وأخطر الغفلة عنه والإعراض عن ذكره وقلة التفكير فيه، قد يطول العمر ولكنه قصير، قد تزيد المدة ولكنها سريعة، فاحتسب لنفسك يامبارك بلا ألقاب ولا أوصاف كما ستنادى يوم القيامة (إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى) سورة طه
حيث لاحرس شرف ولا تشريفات ولا مواكب تعطل مرور الناس ولا قناصة ولا موتوسيكلات ولا أجهزة لاسلكي ولا هيبة ولا رهبة ولا صف من كبرات البلد الذين وضعتهم على رقاب الناس ينتظرونك ولا سائق تقول له "لف وارجع"، ولا عسس ولا مخبرون ولا مخابرات ولا أمن دولة، لن يحرسك حبيب العادلي ولن ينحني أمامك فتحي سرور، ولن يقف خلفك ابن فى وقفة طاووسية، ولن يرتجف رئيس وزراء في حضورك، ولن تصل رأس مفيد شهاب حتى يديك، ولن يمنع عنك زكريا عزمي صخبا ولا غضبا، ستكون
وحدك تماما أمام الله عز وجل (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى)
فبئست الدار لمن اطمئن عليها وهو يعلم أنه تاركها، وقد وصفها الله ووصف الزعامات والأمراء والعالين فى الأرض بقوله سبحانه
(أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) ومعنى كلمة آية كما جاء فى تفسير الطبري هى البيوت الشاهقةوالعلامات البارزة، وتعبثون بمعنى تلعبون وتلهون
أما المصانع فمعناها القصور الضخمة، ستترك كلهذا وتبقى وحدك بلا سطوتك ولا عزوتك ولا سلطتك ولا عرشك وحرسك ولا أولادك ورجال أعمالك ولا أصدقاءك أو وزراءك، لا أحد،
روى مسلم عن ابن عمر رضى الله عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم: "يطوي الله عز وجل السماوات يوم القيامة بيده اليمنى ثم يقول: أنا الملك.. أين الجبارون أين المتكبرون
ستكون أنت وحدك أمام الله، سيسألك عن هؤلاء الذين ماتوا فى سجونك وأولئك الذين قتلهم رجالك وقراراتك وقوانينك، وعن ملايين الجوعى من شعبك، وعن الفقراء محدودى الدخل الذين اضطرتهم فترة حكمك للفساد والرشوة حتى يطعموا أطفالهم، وعن سرقة مال الأمة، وعن موالاة اليهود والأعداء، وعن صحة شعبك التي اعتلت، وعن وباء الفيروس سي والتهاب الكبد فى عصرك، وعن السرطان
والسموم التى زرعها رجالك فى غذاء عباد الله، وعن ماء تلوث، وعن غرقى وحرقى، وعن وطن تخلف، وعن منافقين تحلقوا حولك
، وبطانة سوء وشر تمكنت من شعبك واحتلت قصرك
(وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ)
سيسألك الله ويحاسبك، ولن ينفعك دستور وضعته أو عدلته لصالحك ولمصلحتك، فدستور الله هو الذى سيحاسبك وصراط الله الذى سيمتحنك، فاذكر وتذكر، المشكلة أن الرئيس الذى يسعى للخلود على مقعد ومال وسلطة فى الدنيا يبتعد عنه الخلود فى التاريخ، وقد يقترب منه الخلود فى النار، والحاكم الحق هو الذى يفر من استمراره فى الإمارة والرئاسة، وليس من يصر عليها ويتشبث بها، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم ( إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة، فنعم المرضعة وبئست الفاطمة) البخاري
هذه هى الحكمة النبوية المعطرة حين تكشف عن أمراء سوف يحكمون وهم حريصون على البقاء فى الحكم، ويحذرهم أنها ستكون ندامة يوم القيامة، ألا يستحق هذا أن تتأمل سيادة الرئيس، فالبخاري الذى أورد الحديث ليس إخوانيا ولا عضوا فى الجماعة المحظورة حتى تنفر منه أو يقبض عليه وزير داخليتك لأنه تجرأ وروى حديثا يحذر حاكما وحكاما من أن الحرص على الإمارة سيؤدى للندامة يوم القيامة، وهو يوم قريب منك ومنا وإن بدا بعيدا عن رئيس يتمتع بالسلطة والخلود على المقغد
وعن أبي موسى رضى الله عنه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من قومي فقال أحد الرجلين: أمرّنا يارسول الله (أى اجعلنا أمراء)، وقال الآخر مثله، فقال رسول الله:" إنا لانولي هذا من سأله، ولا من حرص عليه " ( البخارى حديث
7149)، هذا صوت رسول الله يأتيك كما يأتينا، ويأمرنا كما يأمرك بأنه لاولاية ولا إمارة لمن يطلبها بل ولمن يحرص عليها، فهل هناك أحق من رسول الله حين يقضي ويقرر بأن الحاكم الأمير لا يبقى للأبد فى حكمه، فهذا حرص من الحاكم على الإمارة يستوجب نزعها منه وعدم تكليفه بها.
سيدى الرئيس تهيب وتأهب للموت وليوم القيامة واعمل حسابا لتلك الساعة الآتية مهما فعلت ومهما وصل حكمك ومهما بلغت سلطتك، قد تسجننا وقد تسجن مصر كلها لو أردت، قد تمنع وتصادر وتغلق أفواها وصحفا وأحزابا، قد تعدل دستورا وتزور استفتاء، لكنك ستموت كما يموت البشر، وستترك هذا كله كما تركه الفانون من قبلك، ولن ينفعك بمثقال ذرة،
وسيكون حملا عليك يوم القيامة، يحيط بك ويلاحقك وأنت أمام المولى عز وجل، لن نراك ولن نعرفك ساعتها وسنكون مشغولين بمصائرنا بين يدي الرحمن، لكنك ستكون وحدك وقد نزعنا عنك حجتك يوم القيامة أن تقول للمولى سبحانه وتعالى أن أحدا من خلقه لم يقل لك وينصحك ويذكرك، بل قلناها لتسمعها (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ِلكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ )"
وقد جاء فى تفسير الطبري عن أنس قال: سألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: يارسول الله بأبي أنت وأمي إني سائلتك عن حديث أخبرني أنت به، قال " إذ كان عندي منه علم " قالت " يانبى الله كيف يحشر الرجال؟" قال "حفاة عراة" ثم انتظرت ساعة فقالت :: يانبى الله كيف يحشر النساء؟ قال "كذلك حفاة عراة" قالت : واسوأتاه من يوم القيامة (خافت السيدة عائشة العظيمة الرائعة المبرأة من انكشافها عارية يوم القيامة، فماذا كان رد النبي؟ قال "وعن ذلك تسأليني، إنه قد نزلت على آية لايضرك كان عليك ثياب أم لا" قالت: أى آية هي يانبي الله؟ قال: ( ِلكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ)،
سنكون عرايا حفاة، وستكون عاريا حافيا ياسيادة الرئيس ..فهل أنت مستعد ..عاريا حافيا...تذكّر !
سيادة الرئيس مبارك، سأقول لك مالم يقله لك مفتيك ولا شيخك ولا خطباؤك ولا فقهاؤك الذين عينتهم وأجلستهم بجوار كرسى عرشك يبررون ويحللون ما حرمه الله من تعذيب واعتقال وفساد واستبداد، ويحرمون ماحلله الله من قولة حق أمام سلطان جائر أو حتى عادل،
وسأقول لك مالم تسمعه من بطانتك التى تنافقك وتمتدحك وتصعد بك إلى مصاف الأبرار المقدسين ولا تنطق إلا بآيات شكرك وحمدك على مناصبهم ونفوذهم وفلوسهم
سأقول لك مالم تقرأه من كتبتك ومداحيك وطبالى مواكب نفاق السلاطين ومصاحبيك على جناح طائرتك وعرشك، أقول لك سيادة الرئيس إنك ميت .. وإنهم ميتون!
أظن أنه فى زحام سلطانك وسلطاتك وفى مشاغل لقاءاتك وتدابيرك وقراراتك ربما نسيت ياسيادة الرئيس أو تناسيت أو تجاهلت أنك ستموت كما نموت جميعا، فأنت لم تفعل مثلما فعل الفاروق عمر بن الخطاب وهو أمير المؤمنين بعد نبى وخليفة حين نقش على خاتمه هذه الكلمات (كفى بالموت واعظا ياعمر).
عمر بن الخطاب الذى كان يبكي عند سيرة الموت وهو الصحابي العظيم، كان يذكر نفسه وهو الحاكم الآمر الناهي، بالموت، كفى بالموت واعظا ياسيادة الرئيس، هل قلتها لنفسك من قبل؟ هل وعيتها ورددتها؟ ماهى آخر مرة قلت إن الكفن بلا جيوب، تعرف متى، منذ خمسة وعشرين عاما، قلتها فى خطبتك الأولى أمام مجلس الشعب، ثم كانت آخر جملة قلتها مؤخرا أمام نفس المجلس وربما ذات الوجوه أنك
باق فى الحكم حتى آخر نفس ومع آخر نبض
أين ذهبت سيرة الكفن الذى قلت أنه بلا جيوب، ثم انفتحت جيوب الوطن والمسئولين كأنها لم تعرف موتا ولا كفنا، فالبقاء فى الحكم خمسة وعشرين عاما تأمر وتنهى وترمى هؤلاء فى السجون وأولئك فى الغياهب، وتمنح مليارات وتمنع ملايين، وتعين وتفصل وترفع وتخفض،
ويمضى قرارك وحكمك فى الناس سيفا قاطعا، ولا يناقشك أحد ولا يردك راد، ولا قضي قاض على قضائك، ولا يملك شخص أن يعارضك ويرفضك، ويسبح كل من تلقاهم بمجدك وحمدك، مما يجعل أي شخص فى مكانك ومكانتك -ورغم سنك التى قاربت الثمانين- ينسى الموت، نعم السلاطين والرؤساء الأبديون ينسون الموت
وهذا مايفسر هذا التمسك المريب بالمادة 77 فى الدستور التى تجعل الرئيس أبديا فى الحكم بلا حد أقصى (مدتين فقط)، فأنت شأن كل الرؤساء الذين يمكثون فى السلطة كل هذه السنوات، صرت لاتتصور أن تنزع قميصا ألبسه الله لك كما يتخيل كل حاكم وملك يتمتع بسلطة مطلقة على شعبه الخانع الخاضع، ولهذا كان الخلفاء المسلمين مثل هارون الرشيد يستدعي واعظا كل مدة؛ فقط ليذكره بالموت، يقول له ياهارون يارشيد ياخليفة المسلمين وسلطان نصف الكرة الأرضية أنت ستموت
كان هارون الرشيد يسمع ابن السماك الواعظ المشهور الذى قال له "ياأمير المؤمنين .. اتق الله واحذره، لاشريك له، واعلم أنك واقف غدا بين يدي الله، ثم مصروف إلى إحدى منزلتين لاثالث لهما، جنة أو نار " فبكى الرشيد (أخيرا لقينا حاكما عنده دم!)، فأقبل الفضل بن الربيع –أحد بطانات الحاكم – وقال للواعظ معاتبا "سبحان الله هل يخالجك شك فى أن أمير المؤمنين مصروف إلى الجنة، إن شاء الله، لقيامه بحق الله وعدله فى عباده"
.هاهو شخص نراه سيادة الرئيس فى صور كثيرين ممن حولك الذين يصعدون بالحاكم إلى مصاف الأنبياء المرسلين، وأشك كلية أنك قد سمعت أحدا من حولك يقول لك إنك أخطأت ياسيادة الرئيس، بل إنك لم تعترف أبدا ولم تقل أصلا إنك أخطأت فى كذا وكذا فى يوم من الأيام، ولم تعترف ولم تعتذر، فاسمع تحذير وحذر الموت ولا تستمع لتخدير وخدر النفاق، دعك من النفس الأمارة، فما بالك بنفس رئيس يحكم خمسة وسبعين مليونا لمدة خمسة وعشرين سنة ولا يسمع منهم كلمة لا، اطرد غواية خيلائك وغرور إحساسك بالبقاء والخلود من طول سلطتك وانفرادك بالحكم، فأنت ميت وإنهم ميتون
سيدى الرئيس (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) سورة الجمعة آية 8 ، وتذكر يوم مات الرئيس جمال عبد الناصر فى ساعة زمن بين دخول بيته مرهقا ثم صعود سلالم ثم صعود روحه إلى بارئها فى لحظة خلت من الزعامة والرئاسة، اعتبر من مقتلة الرئيس السادات حيث كان فى بروجه المشيدة وحصونه المنيعة وجاءه الموت، لانتمنى لك هذا ولا نريده، فلا حاجة لمصر بإرهاب وقتل، ولكن الموت قادم فى فراشك كما فى طريقك كما فى مكتبك، لاتعلم بأى أرض تموت، ولكنك ونحن سنموت
فتذكر وأنت في خطبة مجلس الشعب أو في جلسة مع ترزية الدستور وتعديلاته، أو فى اجتماع مع وزير داخليتك ووزير عدلك، وأنت تتحكم فى مصائر البلاد والعباد، تذكر قول الله عز وجل (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ ) آل عمران: آية 18
زحزح عن النار ياسيادة الرئيس، فبيننا وبينها زحزحة، إما فيها وقانا الله وإياك جحيمها وجهنمها، وإما نتزحزح لننجو ونفوز بالجنة وعدنا ووعدك الله بها وسائرالناس، لتردد قبل كل خطاب أو قرار هذه الجملة القرآنية (فمن زحزح عن لنار)،
ساعتها ستراجع قرارا وتتراجع عن كثير من متاع الغرور في قصر العروبة أو شرم الشيخ أو في مبنى لاظوغلي أو فى مقر الحزب الوطني بكورنيش النيل، فقد تنجو قدم من نار وقد تفوز عين بجنة، وهذا ماأتمنى أن تسمعه. ياسيادة الرئيس محمد حسنى مبارك: إنك ميت وإنهم ميتون
الموت كما قال السابقون هو المصيبة العظمى والرزية الكبرى، وأعظم منه وأخطر الغفلة عنه والإعراض عن ذكره وقلة التفكير فيه، قد يطول العمر ولكنه قصير، قد تزيد المدة ولكنها سريعة، فاحتسب لنفسك يامبارك بلا ألقاب ولا أوصاف كما ستنادى يوم القيامة (إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى) سورة طه
حيث لاحرس شرف ولا تشريفات ولا مواكب تعطل مرور الناس ولا قناصة ولا موتوسيكلات ولا أجهزة لاسلكي ولا هيبة ولا رهبة ولا صف من كبرات البلد الذين وضعتهم على رقاب الناس ينتظرونك ولا سائق تقول له "لف وارجع"، ولا عسس ولا مخبرون ولا مخابرات ولا أمن دولة، لن يحرسك حبيب العادلي ولن ينحني أمامك فتحي سرور، ولن يقف خلفك ابن فى وقفة طاووسية، ولن يرتجف رئيس وزراء في حضورك، ولن تصل رأس مفيد شهاب حتى يديك، ولن يمنع عنك زكريا عزمي صخبا ولا غضبا، ستكون
وحدك تماما أمام الله عز وجل (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى)
فبئست الدار لمن اطمئن عليها وهو يعلم أنه تاركها، وقد وصفها الله ووصف الزعامات والأمراء والعالين فى الأرض بقوله سبحانه
(أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) ومعنى كلمة آية كما جاء فى تفسير الطبري هى البيوت الشاهقةوالعلامات البارزة، وتعبثون بمعنى تلعبون وتلهون
أما المصانع فمعناها القصور الضخمة، ستترك كلهذا وتبقى وحدك بلا سطوتك ولا عزوتك ولا سلطتك ولا عرشك وحرسك ولا أولادك ورجال أعمالك ولا أصدقاءك أو وزراءك، لا أحد،
روى مسلم عن ابن عمر رضى الله عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم: "يطوي الله عز وجل السماوات يوم القيامة بيده اليمنى ثم يقول: أنا الملك.. أين الجبارون أين المتكبرون
ستكون أنت وحدك أمام الله، سيسألك عن هؤلاء الذين ماتوا فى سجونك وأولئك الذين قتلهم رجالك وقراراتك وقوانينك، وعن ملايين الجوعى من شعبك، وعن الفقراء محدودى الدخل الذين اضطرتهم فترة حكمك للفساد والرشوة حتى يطعموا أطفالهم، وعن سرقة مال الأمة، وعن موالاة اليهود والأعداء، وعن صحة شعبك التي اعتلت، وعن وباء الفيروس سي والتهاب الكبد فى عصرك، وعن السرطان
والسموم التى زرعها رجالك فى غذاء عباد الله، وعن ماء تلوث، وعن غرقى وحرقى، وعن وطن تخلف، وعن منافقين تحلقوا حولك
، وبطانة سوء وشر تمكنت من شعبك واحتلت قصرك
(وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ)
سيسألك الله ويحاسبك، ولن ينفعك دستور وضعته أو عدلته لصالحك ولمصلحتك، فدستور الله هو الذى سيحاسبك وصراط الله الذى سيمتحنك، فاذكر وتذكر، المشكلة أن الرئيس الذى يسعى للخلود على مقعد ومال وسلطة فى الدنيا يبتعد عنه الخلود فى التاريخ، وقد يقترب منه الخلود فى النار، والحاكم الحق هو الذى يفر من استمراره فى الإمارة والرئاسة، وليس من يصر عليها ويتشبث بها، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم ( إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة، فنعم المرضعة وبئست الفاطمة) البخاري
هذه هى الحكمة النبوية المعطرة حين تكشف عن أمراء سوف يحكمون وهم حريصون على البقاء فى الحكم، ويحذرهم أنها ستكون ندامة يوم القيامة، ألا يستحق هذا أن تتأمل سيادة الرئيس، فالبخاري الذى أورد الحديث ليس إخوانيا ولا عضوا فى الجماعة المحظورة حتى تنفر منه أو يقبض عليه وزير داخليتك لأنه تجرأ وروى حديثا يحذر حاكما وحكاما من أن الحرص على الإمارة سيؤدى للندامة يوم القيامة، وهو يوم قريب منك ومنا وإن بدا بعيدا عن رئيس يتمتع بالسلطة والخلود على المقغد
وعن أبي موسى رضى الله عنه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من قومي فقال أحد الرجلين: أمرّنا يارسول الله (أى اجعلنا أمراء)، وقال الآخر مثله، فقال رسول الله:" إنا لانولي هذا من سأله، ولا من حرص عليه " ( البخارى حديث
7149)، هذا صوت رسول الله يأتيك كما يأتينا، ويأمرنا كما يأمرك بأنه لاولاية ولا إمارة لمن يطلبها بل ولمن يحرص عليها، فهل هناك أحق من رسول الله حين يقضي ويقرر بأن الحاكم الأمير لا يبقى للأبد فى حكمه، فهذا حرص من الحاكم على الإمارة يستوجب نزعها منه وعدم تكليفه بها.
سيدى الرئيس تهيب وتأهب للموت وليوم القيامة واعمل حسابا لتلك الساعة الآتية مهما فعلت ومهما وصل حكمك ومهما بلغت سلطتك، قد تسجننا وقد تسجن مصر كلها لو أردت، قد تمنع وتصادر وتغلق أفواها وصحفا وأحزابا، قد تعدل دستورا وتزور استفتاء، لكنك ستموت كما يموت البشر، وستترك هذا كله كما تركه الفانون من قبلك، ولن ينفعك بمثقال ذرة،
وسيكون حملا عليك يوم القيامة، يحيط بك ويلاحقك وأنت أمام المولى عز وجل، لن نراك ولن نعرفك ساعتها وسنكون مشغولين بمصائرنا بين يدي الرحمن، لكنك ستكون وحدك وقد نزعنا عنك حجتك يوم القيامة أن تقول للمولى سبحانه وتعالى أن أحدا من خلقه لم يقل لك وينصحك ويذكرك، بل قلناها لتسمعها (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ِلكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ )"
وقد جاء فى تفسير الطبري عن أنس قال: سألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: يارسول الله بأبي أنت وأمي إني سائلتك عن حديث أخبرني أنت به، قال " إذ كان عندي منه علم " قالت " يانبى الله كيف يحشر الرجال؟" قال "حفاة عراة" ثم انتظرت ساعة فقالت :: يانبى الله كيف يحشر النساء؟ قال "كذلك حفاة عراة" قالت : واسوأتاه من يوم القيامة (خافت السيدة عائشة العظيمة الرائعة المبرأة من انكشافها عارية يوم القيامة، فماذا كان رد النبي؟ قال "وعن ذلك تسأليني، إنه قد نزلت على آية لايضرك كان عليك ثياب أم لا" قالت: أى آية هي يانبي الله؟ قال: ( ِلكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ)،
سنكون عرايا حفاة، وستكون عاريا حافيا ياسيادة الرئيس ..فهل أنت مستعد ..عاريا حافيا...تذكّر !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق