الأحد، 13 ديسمبر 2009

مطلوب موقف أوروبي يتعامل مع احتلال القدس بما يستحقّه من الإدانة




"أوروبيّـون لأجـل القـدس"





فقد تابعنا تطوّرات بيان وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي بشأن القدس، وما سبقه خلال الأيام الماضية من مواقف. ومن المؤسف أنّ البيان، رغم التوقعات الأولية المشجعة، جاء أخيراً بصيغة باهتة؛ لا تتعامل مع واقع الاحتلال القائم في القدس بما يستحقّه من الوصف وبما يستتبعه من الرفض والإدانة والإجراءات العملية التي يمليها ذلك، خاصة بعد تراجع البيان عن صيغته الأولى المقترحة من جانب الرئاسة السويدية للاتحاد.

ومع إدراكنا للتباين الذي تميّزت به المواقف الأوروبية؛ فإننا نرى أنّ الصيغة النهائية للبيان المتعلق بالقدس؛ لا ترقى لالتزامات الاتحاد المقرّرة بشأن إنصاف العدالة والقانون الدولي وحقوق الإنسان وحرِّيّات الشعوب. كما ينبغي التحذير من أنّ القيادة الإسرائيلية تتعامل مع هذا التراجع على أنه تسليم فعليّ بالأمر الواقع الاحتلالي، وستسعى كما فعلت دوماً من قبل؛ لاستثماره قدُماً في تكريس الاحتلال وممارساته غير الشرعية وإجراءاته التعسّفية وانتهاكاته المتواصلة في القدس، مستفيدة من الاختلال الكبير في موازين القوى بين طرفيْ الصراع.

ومن المؤسف أن يجري غضّ الطرف عن حقيقة أنّ نظام الاحتلال القائم في القدس، شرقها وغربها، يمثل في الأساس نموذجاً استعمارياً إحلالياً لم يعد لمثيله وجود في عالم اليوم، وهو يقوم بشكل صارخ على أساس عنصري، بموجب المزاعم التي يتذرّع بها والسياسات التي يعتمدها والممارسات التي يتبعها.

لقد أظهرت المواقف الأخيرة التي رافقت الجدل بشأن البيان الأوروبي؛ أنّ القيادة الإسرائيلية متمسِّكة بعنجهية باحتلال القدس شرقاً وغرباً، وترفض بكلّ صلف التنازل عن ذلك، ضاربةً بإرادة أوروبا والمجتمع الدولي والقرارات الدولية ذات الصِّلة عرض الحائط. كما تبيّن أنّ الاحتلال الإسرائيلي ماضٍ في تجاهل أنّ القدس هي عاصمة فلسطين وقلبها النابض، بهويتها التاريخية الحضارية العربية الفلسطينية الموغلة في القدم عبر آلاف السنين، وكذلك بمقدّساتها التي تواجه الانتهاكات والتعدِّيات المتفاقمة على حرمتها بشكل متواصل.

إنّ تعنّت الحكومة الإسرائيلية كفيلٌ بأن يلفت الانتباه إلى أنّ أوضاع القدس الراهنة تقتضي يقظة عالمية عاجلة، في ظلّ التصاعد المطّرد لتهديدات الاحتلال بحق المدينة وعدوانه على تاريخها بتغيير المعالم وتزوير هويّتها، وممارسته الطرد والعزل بحق سكانها الشرعيين، وتطويقها بأحزمة الاستيطان غير الشرعي والجدران العالية والأسيجة العنصرية، بهدف فرض الأمر الواقع الاحتلالي بأيِّ ثمن.

وإزاء ما جاء في القرار الأوروبي من ربط مصير القدس بالتفاوض؛ لا بدّ من التنبيه إلى أنّ أي عملية تسوية سياسية جادّة للقضية الفلسطينية، لا يمكن أن تنهض بالانتقاص من حقوق الشعب الفلسطيني وعبر محاباة سلطة الاحتلال. كما يتوجّب التذكير بأنّ السلام لا يتحقّق بتجاهل العدالة، فهو ثمرة إنهاء الاحتلال وإرجاع الحقوق المغتصبة لأصحابها الشرعيين وتوفير الأجواء الملائمة له، علاوة على أنّ السلام لا يتعايش إطلاقاً مع فرض الاحتلال والاضطهاد والتمييز العنصري والحرمان من السيادة والحقوق والحرية.

ويبقى مُنتَظَراً من كافة المستويات الرسمية ودوائر صنع القرار في أوروبا وخارجها؛ إبداء الحزم الكافي إزاء تجاوزات الاحتلال الإسرائيلي الصارخة في القدس وغيرها، فلا يجوز مكافأة هذه الانتهاكات بالصمت، بل يتوجّب الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني باعتباره ضحيّة الاحتلال، وتمكينه من استعادة حقوقه غير القابلة للتصرّف، وعلى رأس ذلك الخلاص من الاحتلال وحقّ تقرير المصير. وينبغي على كافة الأطراف قطع الطريق على أي دعم للاحتلال الإسرائيلي، والتعامل مع سلطة الاحتلال هذه باعتبارها سلطة غير شرعية؛ بكل ما يترتّب على ذلك من استحقاقات والتزامات.

ـ بروكسيل، 11 ديسمبر 2009 أوروبيّون لأجل القدس

Efq1967@gmail.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق