28 ديسمبر 2009
ليبيا: اطلقوا سراح جمال الحاجى ..
الإهتمام بالشأن العام واجب وحق أساسى من حقوق الإنسان
1. تابعت الرابطة الليبية لحقوق الإنسان باستغراب واندهاش إعادة السيد جمال الحاجى الى السجن السياسيى بتهم جديدة تمس جوهر الوظيفة العمومية وحق المواطن غير القابل للتصرف فى نقد مهامها والطريقة التى تنفذ بها تلك المهام. وتخشى الرابطة أن تكون عودة السيد الحاجى الى السجن السياسى، تحت غطاء ان شكوى/ تظلم وجهها السيد الحاجى فى مايو2009 الى وزير العدل تضمنت، فى رأي المدعى العام، وليس فى راي وزير العدل الذى وجهت له الشكوى أصلا، "اتهامات" غيرصحيحة وتجنى على الهيئات القضائية والأمنية .. تخشى الرابطة ان تكون هذه مقدمة للجم أي محاولة، مهما كانت هامشية، للمساهمة فى الإصلاح المنشود لأجهزة الدولة عن طريق التفحّص والتدقيق فى الطرق التى تؤدى بها هذه الأجهزة لمهامها والكيفية التى تنفذ بها الأجهزة العمومية، بما فيها جهاز القضاء الليبى، أحكام القانون والإدارة. وتأسف الرابطة بانه فى الوقت الذى نشر فيه نص "مذكرة بشأن حبس المدعو جمال أحمد الحاجي" على أحد مواقع الأنترنت، لم ينشر الموقع حتى الآن نص "شكوى" السيد الحاجى ليتمكن الناس من معرفة الحقيقة المجردة وليست الحقيقة كما يراها احد الطرفين (المدعى العام) دون إعطاء فرصة للمدعى عليه (السيد الحاجى) ان يتعرف الناس عن وجهة نظره . وتـامل الرابطة ان لا تتكرر طريقة نشر "نصف الحقيقة" هذه من وسائل الإعلام خاصة فى المواضيع الحساسة والخطيرة لما لهذه الطريقة المنافية لميثاق شرف مهنة الصحافة من مخاطر ليس فقط على الحقيقة ذاتها وإمكانية تمويهها، بإغراق القارئ بوثائق ظاهرها البحث عن الحقيقة وباطنها تمويه للحقيقة وحجبها، وإنما ايضا مخاطرعلى حق المواطن فى المعرفة والذى يجب ان يكون جوهر العمل الصحفى وغايته. وتنتهز الرابطة هذه الفرصة لتطلب من الموقع الذى نشر نص مذكرة المدعى العام بمطالبة المكتب الذى زوده بذلك النص بتزويده أيضا، حرصا على حق القارئ فى المعرفة، بصورة من رسالة السيد الحاجى ونشرها لنتمكن جميعا من إبداء الرأي فيها على ضوء ماجاء فى مذكرة المدعى العام.
2. إن اول مايجب على المتتبع لهذا الملف أن يعرفه هوإن السيد الحاجى لم يذهب لأي مركز شرطة أو اي محكمة لفتح ملف شكوى ( قانون الإجراءات)، ضد اي كان، وإنما أرسل تظلما/عريضة، ككل العرائض التى يرسل بها المواطنون يوميا وفى جميع دول العالم الى المسؤولين (الى وزير العدل مثلا أو أي وزيرا آخر)، أبدى فيها وجهة نظره الخاصة بشأن قضايا الشأن العام بما فيها ربما الإشارة الى ما يعتبره تجاوزات من المسؤولين عن الشأن العام يجب القيام بإصلاحها. وقد كان بالإمكان إنهاء الموضوع بكتابة رد بسيط لشكرالسيد الحاجى على اهتمامه بالشان العام ولطمأنته بأن وزارة العدل اخذت علما بالمواضيع التى أثارها فى رسالته وستعمل على اصلاح كل مايجب إصلاحه – وتنتهى القصة بكاملها فى هذا الحد. ولتذكير مكتب المدعى العام فانه يوجد فى جميع الدول الديموقراطية جهازا كاملا لاستلام الشكاوى والمظالم من أي شخص، كالسيد الحاجى، يـعتبـر نفسـه متضـررا مـن بعض التدابيـر التنفيذيـة التـي اتخذها موظفون عموميون من أي جهاز من أجهزة الدولة بما فيها جهاز العدل وجهازالأمن بغية التحقّق من موافقتها للقانون وتوافر مقتضيات العدالة والإنصاف في تنفيذها. وقد استحدث جهاز المظالم فى هذه الدول خصيصا لتحقيق العدالة خارج النظام القضائى وكبح جماح المسؤولين وردهم الى الطريق القويم كلما أساءوا استعمال سلطتهم أوانحرفوا في ممارستهم لمهامهم الرسمية في مواجهة الافراد خاصة وأن الشعور بعدم كفاية الوسائل التقليدية في الرقابة على اعمال الشأن العام وحماية حقوق الافراد وحرياتهم فى ازدياد مستمر. وهناك من يرجع مصدرانتشارالفساد الإدارى والمالى وحتى الأخلاقى الذى تعيشه ليبيا منذ سنين الى (أولا) ضعف استقلال السلطة القضائية لحد انها تخلت عن دورها الأساسى فى لعب دور القاضى العادل والمنصف وقبولها بدور أمنى مكملا لدورالأجهزة الأمنية الثورية وغير الثورية ثم (ثانيا) الى غياب جهاز مستقل للمظالم يراقب ويلزم جميع موظفى الدولة، بمن فيهم المدعى العام، بتسهيل طرق تعامل أجهزة الدولة مع المواطنين عن طريق تعزيز المسائلة والشفافية ونشر المعلومات. وتود الرابطة التأكيد، فى هذا الخصوص، على أهمية الدور الرقابى لمنظمات المجتمع المدنى المستقلة والتى لازالت، بكل أسف وربما لهذا السبب بالذات، محظورة فى ليبيا. وتود أيضا التأكيد على اهمية نشر ثقافة الشكوى والتظلم لدى المواطنين والمتعاملين مع أجهزة الدولة للحصول على الحقوق، وللمساهمة في علاج الإجراءات والقرارات والممارسات الخاطئة، وللتأكيد أيضا على حق المواطن في الحصول على أفضل الخدمات وللارتقاء بأداء الإدارة العامة ولإرساء مبدأ الشفافية والمساءلة. هذه هي المساهمة الحقيقية لشكوى السيد الحاجى والتى تعتبر، بكل المقاييس، مساهمة فى غاية الأهمية بالنسبة للأداء الوظيفى فى مجال الشأن العام. وتخشى الرابطة ان يكون الهدف من سجن السيد الحاجى إرهاب الليبيين وصدهم عن الإلتجاء الى الشكوى والتظلم المكتوب ضد أجهزة الدولة التى تسيئ استعمال سلطتها ومنعهم من التمتع بحقهم فى نقد أداء الإدارة العامة بما في ذلك نقد إداء القضاء وأداء الأجهزة الأمنية المشهورة بسوء استعمال السلطة.
3. أما فيما يخص الإتهامات التى وجهت الى السيد الحاجى واستعملت كسبب واهى لسجنه، برغم انه لا توجد ضرورة ملحة لذلك وكان بالإمكان بقائه فى بيته مع اسرته فى انتظار المحاكمة، فتود الرابطة ان تلفت انتباه الرأي العام بأن السيد الحاجى ليس بالليبي الوحيد الذى تناول ونقد المواضيع التى بسببها اودع السجن. وحسب فهم الرابطة فإن الإتهامات كما نقلها موقع "ليبيا اليوم" بتاريخ 11 ديسمبر 2009 على "لسان مصدر بمكتب النائب العام" الموجهة للسيد الحاجى جائت على النحو التالى: " لقد تقدم{السيد الحاجى} بشكوى رسمية في 24/5/2009 يتهم فيها الأجهزة الأمنية بتعذيبه وازدرائه ومنعه من السفر ، وأن القضاء في ليبيا غير مستقل ويخضع لسيطرة الأجهزة الأمنية". اي ان السيد الحاجى قدم عريضة الى وزير العدل تطرق فيها الى أربعة مواضيع وهي 1. خضوع القضاء للأجهزة الأمنية ، 2. القضاء غير مستقل ، 3. استمرارممارسة التعذيب من طرف الأجهزة الأمنية و4. وجود قوائم من الممنوعين من السفر. هذه هي النقاط، حسب مانشر حتى الأن، التى بنيت على أساسها الدعوى القضائية ضد السيد الحاجى باعتبارها "اتهامات" غيرصحيحة وتجنى على الهيئات القضائية والأمنية وهو أمر يعاقب عليه القانون الليبي كما جاء فى خبرموقع "ليبيا اليوم" المذكور. ولا بد ايضا من الملاحظة بأن السيد الحاجى لم يوجه تظلمه الى الصحافة لنشره وإنما وجهه خصيصا الى وزير العدل الذى كان يفترض أن مكتب المدعى العام، بعد التحقيق فى محتواه واحتراما لمكتب الوزيرعلى الأقل، يقوم بإعداد ردا موضوعيا لتوقيع وزير العدل يجيب به على تسائلات السيد الحاجى ويغلق الملف. ولندقق الآن فى ماقاله السيد الحاجى والذى اعتبره المدعى العام جريمة باعتباره "غير صحيح وتجنى" عن الهيئات القضائية والأمنية:
الإتهام الأول: خضوع القضاء للأجهزة الأمنية
4. إن خضوع القضاء الليبي لمتطلبات الأجهزة الأمنية ليست ببدعة من السيد الحاجى وهو موضوع متداولا ومعروفا ومسلما به لدى أغلب الليبيين، باستثناء ربما المدعى العام. ولا تخفى أجهزة "اللجان الثورية"، وهي اساسا جهاز أمن خاص مهمته "الدفاع عن الثورة" بكل الطرق القانونية وغير القانونية، وبعض الأجهزة الأمنية الأخرى من تثمين هذا الخضوع الذى تعتبره بالشئ الطبيعى (من منطلقات ثورية) وهو موضع تقدير وفخر من طرفها. وهي لا تعير فى ما تراه دفاعا عن "الثورة" أي اهتمام لا للقضاء ولا للعدل ولا للإنصاف. فيهدد أعضاؤها الناس بالكلاشنكوف ويقوموا باعمال القتل العمد مع سابق الإصرار والترصد (التصفية الجسدية) ويستولوا على أموال الناس وممتلكاتهم مثلا دون اي تدخل من القضاء أو تحرك من مكتب المدعى العام، ويسجنوا الليبيين فى معتقلات سرية دون أن يكون للقضاء قدرة على منعها من ذلك ويقودوا الشباب والطلبة الى المشانق وميادين الشنق ويقتلوهم( محمد احفاف، حافظ المدنى، دبوب، بن سعود وأخرون) ويعذبوا حتى الموت فى "المثابات" والمعتقلات السرية (عامر الدغيس وحسين الصغير ومحمد حمى وعبد العزيز الغرابلى وآخرون) دون ان ان يسمح للقضاء حتى بالتحقيق فى مايعتبره القانون جرائم قتل متعمد لتدوينها وحفظها للذاكرة الوطنية ودون ان يصدر مكتب المدعى العام الموقر اي اتهام حتى احتراما لأولئك الذين فقدوا حياتهم. ألا يمثل هذا انتهاكا سافرا لدور ومهام القضاء؟ ألا تعتبر هذه هيمنة غير مسبوقة من الأجهزة الأمنية على مقدرات القضاء والعدل فى ليبيا؟. ألا تمثل كل هذه التصرفات إهانة غير مسبوقة من طرف الأجهزة "الثورية" و"الأمنية"، وليس من السيد الحاجى، للقضاء الليبيى؟ هل أصدر مكتب المدعى العام أي امرا بتوقيف اي من مرتكبى كل هذه الجرائم وكل هذه الإهانات ضد القضاء؟ هل ان ما قاله السيد الحاجى لا يقصد منه فى الأساس الدفاع عن استقلال القضاء وتـأكيدهيبته؟ إن المستفيدين الوحيدين من إهانة القضاء وإضعاف دوره واستقلاله، فى ليبيا اليوم، هم الأجهزة الأمنية القمعية (الامن الداخلى واللجان الثورية) الذين يستمدون قوتهم أصلا من ضعف القضاء وانتهاك القانون وكلما ازداد ضعف القضاء زادت الأجهزة الأمنية قوة. وعلى العكس من ذلك فإن أمن وسلامة المهتمين بالشأن العام ونشطاء حقوق الإنسان من أمثال السيد الحاجى تعتمد اعتمادا كليا على قوة القضاء ودرجة استقلاليته وكلما ضعف القضاء ازدادت تلقائيا المخاطرعلى سلامة وأمن هذه الشريحة من المجتمع التى لا يمكن ان يكون لها وجود فى مناخ خال من قضاء مستقل عادل ومنصف. إن نقد السيد الحاجى، من هذا المنطلق، ليس موجها ضد القضاء بقدر ما هو موجها ضد "إضعاف وتعطيل القضاء" الذى يرى فيه ومن خلاله تهديدا مباشرا لسلامته وأمنه الشخصي. وقد اثبتت الأحداث سلامة نقده حيث لا يمكن أن يتصور ان يسجن اي إنسان بسبب رأيه فى أداء مرفق عام لوظيفته إلا إذا سلمنا بأن ضعف القضاء قد وصل الى درجة غاية فى الإنحدار.
5. حتى وزير العدل لم يجد بدا من التذمّر من هذا الضعف من جراء الهيمنة الكاسحة والتدخل غير القانونى للأجهزة الأمنية فى آداء القضاء لمهمته. فتوجه بدوره بشكوى بتاريخ 26 يونيو 2008 الى رئيس الوزراء (اللجنة الشعبية العامة) أبدى فيها قلقه البالغ من تصرفات الأجهزة الأمنية المنافية للقانون وانزعاجه الشديد من تأثيراتها السلبية على مهمة القضاء وسير العدالة واحترام حقوق الإنسان الذى يمكن أن تنجر عن هذه التصرفات . وابدى الوزير على وجه الخصوص قلقا شديدا من عدم تعاون الأجهزة الأمنية مع وزارته ورفضها التقيد بالقانون وتنفيذ الأحكام القضائية الخاصة بإطلاق سراح بعض المساجين الذين برأهم القضاء وآخرون أنهوا مدة عقوبتهم إلا أنهم ظلوا آنذاك فى معتقلات تابعة لأجهزة الأمن دون مبرر قانونى. وقد انهى الوزير رسالته الى رئيس الوزراء بإحالة الأمر له شخصيا " لاتخاذ مايلزم مع الجهات ذات العلاقة لاحترام الأحكام القضائية واحترام القانون. وعدم المضي فى أمور قد تكلف الدولة أعباء مالية وتنال من سمعتها كراعية لحقوق الإنسان". وقد عاد الوزير فى مقابلة مع جريدة أويا فى 2 نوفمبر 2009 الى نفس الموضوع أي موضوع رفض الأجهزة الأمنية التقيد بالقانون حيث قال ردا على سؤال الصحفى فيصل الهمالى الذي سأله عن ما إذا كان الوزير يشاطره الراي فى " أن وجود مظلوم في الحبس رفقة المجرمين قد يسبب له أضراراً لايمكن علاجها فيما بعد؟. وقد كان رد الوزير واضحا لا يقبل التـاويل حيث قال : " دعنا نتحدث بصراحة أكثر.. عندما تحتكم للقضاء وتقدم الملف للقضاء ويحكم القضاء بالبراءة على الجهات الأمنية أن تحترم هذا الحكم لأن لدينا أكثر من "500" متهم محكومين بالبراءة منذ شهر 6-2008 أي من حوالي سنة وأربعة أشهر ولم يتم الإفراج عنهم حتى الآن بحجج أمنية على الرغم من أن القانون يلزم الجهات الأمنية بالإفراج عن المتهمين بموجب القانون". هذا الكلام لم يقله السيد الحاجى ياسيادة المدعى العام أو هل تنوون إصدار مذكرة أيقاف ضد المستشار مصطفى عبد الجليل أيضا؟ ويمكنكم ايضا، فى هذا السياق، إصدار مذكرات إيقاف اخرى ضد مؤسسة القذافى التى جاء فى تقريرها الذى اصدرته قبل اسبوعين فى سياق نقاشها لعلاقة دولة القانون بتنفيذ أحكام القضاء ب"ان عدم الإفراج عمن صدرت بحقهم أحكام بالبراءة ، وأولئك الذين انتهت مدة محكوميتهم ، لايمكن وصفه إلا تحت عنوان ،أن جهة الإدارة لا تحترم أحكام القضاء ، وهنا لابد من وصفٍ لحكومة لا تحترم أحكام مؤسستها القضائية ،ومن سؤال عن الشرعية التي تبقى أية حكومة تقليدية أو شعبية في مهامها المكلفة بها في ضل عجزها عن تنفيذ أحكام القضاء؟، ومن سؤال أعمق وهو من يدير دواليب الدولة هل اللجنة الشعبية العامة أم جهات أخرى..؟
الإتهام الثانى : القضاء غير مستقل
6. كل الناس، وليس السيد الحاجى وحده، تعرف بان القضاء فى ليبيا غير مستقل وغير منصف ولاعادل. حتى مؤسسة القذافى الذى لا يمكن اتهامها بمعارضة النظام الحاكم لا يختلف رايها عن راي السيد الحاجى فى هذا الخصوص. وقد جاء فى تقرير نشرته المؤسسة قبل اسبوين فقط أي يوم 10 ديسمبر 2009 مايلى:
"لقد انشرحت صدور الكثير من المواطنين الليبيين بعد أن قرروا بالإجماع إلغاء محكمة الشعب ، التي كانت تمثل بحق نقطة سوداء في جبين المشروعية وسيادة القانون، إلا أن هذا التفاؤل الكبير لم يدم طويلاً بعد صدور القانون رقم (7) لسنة 2005ف ، الذي أحال الإختصاصات والصلاحيات التي كانت للإدعاء الشعبي ، ولمحكمة الشعب ، للنيابات والمحاكم التخصصية بحسب الأحوال ، ليكتشف الناس أن أرادتهم قد زورت في مشهد علني لايمكن وصفه، وأن قانون إلغاء المحكمة قد تضمن فقط إلغاء اللوحة التي كانت معلقة أمام مبنى محكمة الإستئناف لتصبح فيما بعد محكمة ((أمن الدولة)) وتكفل المجلس الأعلى للهيئات القضائية الذي يفترض أن يكون حارساً حقيقياً للعدالة بإكمال المهمة بإنشاء محكمة أمن الدولة ، مخالفاً بذلك كل الوثائق الدستورية والقوانين الإجرائية الجنائية، ضارباً بإرادة المشرع الحقيقي عرض الحائط مساهماً في إجهاض العدالة ، ومخالفاً لمقتضيات المحاكمة العادلة التي نصت عليها الوثائق الدستورية الليبية والاتفاقيات الدولية ذات العلاقة والتي وقعت وصادقت عليها ليبيا.." (انتهى الإقتباس). هل سيصدر مكتب المدعى العام أمرا بإلقبض، كالامر الذى أصدره ضد السيد الحاجى، على المسؤول عن هذا التقرير داخل "مؤسسسة القذافى" ؟
7. هل يمكن للسيد المدعى العام أن يوجه اتهاما لمواطن بإهانة القضاء بمجرد أنه يعتقد ان القضاء فى ليبيا ضعيف وغير قادر على تأدية مهامه فى الظروف الحالية وإيداعه السجن فى حين لم يصدر ولو امرا واحدا حتى بالتحقيق فى جريمة راح ضحيتها 1200 ليبيا. اليست هذه إهانة حقيقية للقضاء وتاكيدا واضحا على عدم استقلاليته. هل اصدرالسيد النائب العام امرا بالتحقيق مع المسؤولين عن قتل اطفال بنغازى ال500؟ وهل أصدر السيد النائب العام امرا بالتحقيق فى اختفاء المواطن الليبيى الأستاذ منصور الكيخيا فى مصر؟ وهل أصدرالسيد المدعى العام أمرا بالتحقيق فى الإختفاء القسري للدكتور عمرو النامى والصحفى عبد الله الضراط وآخرون؟ وهل أصدرالسيد المدعى العام أمرا بالتحقيق فى جريمة تعذيب السيد حسين الصغير و محمد حمى وعامر الدغيس وعبد العزيز الغرابلى وأخرون حتى الموت؟ وهل أصدرالسيد المدعى العام امرا بالتحقيق مع قاتلي الشرطية البريطانية وجرح احدى عشر مواطنا ليبيا؟ وهل أصدرالسيد المدعى العام أمرا بالتحقيق مع "فرسان" التصفيات الجسدية؟ وهل اصدرالسيد المدعى العام أمرا بالتحقيق مع قاتلي الطلبة وشانقيهم فى الجامعات والساحات العامة ؟ وفى النهاية هل إحجام السيد المدعى العام عن إصدار اي امر تحقيق أو إيقاف ضد قتلة معروفين لمواطنين ليبيين هي سمة من سمات القضاء المستقل ام دليلا على القضاء الخاضع والراضخ لأوامر الأجهزة السياسية والأمنية؟ بكل تأكيد – إن إحجام السيد المدعى العام عن إصدار اي أمر ايقاف او حتى تحقيق فى كل هذه الإنتهاكات الجسيمة لهو دليل قاطع على عدم استقلالية القضاء وتبعيته المطلقة للاجزة السياسية والأمنية.
الإتهام الثالث: استمرار ممارسة التعذيب من طرف الأجهزة الأمنية
8. مرة أخرى نود التأكيد بأن ليبيا معتبرة دوليا من أكثرالدول التى يمارس فيها التعذيب على نطاق واسع برغم انضمامها الى الإتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب التى لا تحتوي على آلية لمراقبة التعذيب أو التأكّد من عدم ممارسته. ولسد هذه الثغرة فى الإتفاقية فقد أضيف اليها "بروتوكول اختيارى لمنع التعذيب" ينص على تكوين لجنة فرعية لمنع التعذيب تقوم بتنظيم زيارات "تفتيش" غير معلنة للاماكن التى يحرم فيها الاشخاص من حريتهم( معتقلات أجهزة الأمن والمثابات مثلا بالإضافة الى السجون الرسمية المعروفة) والتى تختارها اللجنة دون معرفة الدولة الطرف فى البروتوكول الإختيارى. وتلاحظ الرابطة بكل أسف ان الحكومة الليبية لم تنضم الى هذا البروتوكول وهو نوع من الإعتراف غير المباشر بالإستمرار فى ممارسة التعذيب وإلا ما يمنع الحكومة من الإنضمام الى البروتوكول وفتح معتقلاتها، كال 140 دولة التى انضمت الى البروتوكول حتى الآن، الى لجنة منع التعذيب إذا ليس لها ما تخفيه فى هذا الشأن؟. كذلك لا يوجد اي مبرر لوجود معتقلات سرية إلا كونها أماكن خاصة يمارس داخلها أنواع من التعذيب لا يمكن ممارسته فى السجون العادية لقسوته الشديدة وتجرده من الإنسانية. كذالك تود الرابطة الإشارة الى ما جاء فى تقرير مؤسسة القذافى والذى يؤكد على استمرار ممارسة التعذيب كما جاء فى شكوى السيد الحاجى. وقد ورد فى التقريرأن جمعية حقوق الإنسان " تلقت عدد كبير من الشكاوى وسجلت عدة إنتهاكات صارخة خلال عام 2009م عن حالات تعذيب وسوء معاملة وحجز غير مبرر للحرية وتعمد واضح لإنتهاك القانون ، ويبدو أن هذه الظاهرة التي كادت أن تختفي قد تصبح في المستقبل في تزايد مستمر بسبب الحصانات التي تقررها بعض القوانين الخاصة للعاملين ببعض الأجهزة ، والجمعية تهيب بالمشرع إلى إلغاء كل الحصانات التي قد تساعد في إفلات بعض المخالفين من العدالة ، وتدين كل أعمال التعذيب وتطالب بالتحقيق في كل الشكاوى المقدمة من المواطنين.." بما فيها شكوى السيد الحاجى الذى اصبح، على ضوء تقييم وزير العدل وجمعية القذافى للأعمال الخيرية لأوضاع القضاء والأجهزة الأمنية، استمرار حجزه قضية شخصية لا علاقة لها بما جاء فى الشكوي التى قال المدعى العام انها تحتوى على إهانة للقضاء.
الإتهام الرابع: قوائم الممنوعين من السفر
9. إن وجود قوائم بشأن مواطنين ممنوعين من ممارسة حقهم فى حرية التنقل شيئ معروف للجميع لا يمكن إنكاره وهو ليس فى حاجة الى اي تعليق وتستغرب الرابطة ان توجه تهم قضائية حول حقيقة وجود هذه القوائم كما تستنكر حرمان الأجهزة الأمنية للمواطنين الذين تحتويهم تلك القوئم من ممارسة حقهم فى حرية التنقل. ويكفى الإشارة الى البيان الذى أصدرته مؤسسة القذافى للأعمال الخيرية، التى لا يمكن اتهامها بجهة ذا مواقف غير ودية اتجاه الحكومة، .. أصدرته فى 27 ابريل 2008 بِشأن ازالة قائمة من المواطنين تحتوى على 231 إسما من قوائم الممنوعين من السفر التى اعلنت نفس المؤسسة فى بيان سابق أنها تحتوى عن اسماء ما لايقل عن 40.000 مواطنا. والجدير بالتنويه بان حرية التنقل هو حق اساسى من حقوق الإنسان لايجوز حرمان اي مواطن منه إلا بناءا على حكم قضائى. ويعتبرتصرف الأجهزة الامنية فى هذا الحق جزافا انتهاكا صارخا لحق المواطن فى التنقل وتدخل غير قانونى فى مهام القضاء.
10. بناءا على ما تقدم تطالب الرابطة بما يلى:
أولا: الإفراج الفورى عن السيد جمال الحاجى وإسقاط جميع الدعاوى الموجهة ضده
ثانيا: الإفراج الفورى عن جميع المحتجزين خارج سجون الدولة الرسمية وتقديم المسؤولين عن هذا العمل المشين والمنافى للقانون لمحاكمة عادلة. وتهيب الرابطة فى هذا الخصوص بمكتب المدعى العام بإصدار أمر تحقيق عاجل يحدد على ضوء نتائجه المسؤوليات والكيفية التى يمكن بها معالجة ملف المعتقلات الأمنية.
ُثالثا: إغلاق جميع ملفات سجناء الرأي والضمير عن طريق إصدار عفو عام يشمل جميع السجناء و المتهميتن فى قضايا سياسية وفكرية.
رابعا: نشر كشف دقيق وكامل بالمعتقلات خارج الرقابة القضائية وكذلك بعدد المحتجزين واسباب احتجازهم ومددها واعتبارهؤلاء بمثابة مخطوفين من قبل الأجهزة الأمنية يجب تعويضهم عن ما قاسوه من عذاب مباشر وغير مباشرمن جراء عدم تقيد الأجهوة الأمنية بالقانون.
ثالثا: فتح تحقيق محايد فى تجاوزات الاجهزة الأمنية ولا سيما فى خصوص إقامة المعتقلات الخاصة وإدارتها خارج نطاق القانون.
رابعا : فتح تحقيق إداري داخل وزارة العدل للوقوف على دور مكتب المدعى العام ومدى حياده فى مسائل "التحقيق والإتهام" فى ضوء أحجام هذا المكتب عن القيام بواجبه الوظيفى حيال تجازوات جسيمة مثل احجامه عن إصدار اي أمر بالتحقيق فى جريمة القتل بالجملة فى سجن بوسليم وإحجامه عن توجيه اي اتهام حتى الآن لقتلة اطفال بنغازى.
خامسا: إقامة مكتب مستقل لقبول تظلمات وشكاوى المواطنين المتعلقة بإدارة الشان العام.
28 ديسمبر 2009
ليبيا: اطلقوا سراح جمال الحاجى ..
الإهتمام بالشأن العام واجب وحق أساسى من حقوق الإنسان
1. تابعت الرابطة الليبية لحقوق الإنسان باستغراب واندهاش إعادة السيد جمال الحاجى الى السجن السياسيى بتهم جديدة تمس جوهر الوظيفة العمومية وحق المواطن غير القابل للتصرف فى نقد مهامها والطريقة التى تنفذ بها تلك المهام. وتخشى الرابطة أن تكون عودة السيد الحاجى الى السجن السياسى، تحت غطاء ان شكوى/ تظلم وجهها السيد الحاجى فى مايو2009 الى وزير العدل تضمنت، فى رأي المدعى العام، وليس فى راي وزير العدل الذى وجهت له الشكوى أصلا، "اتهامات" غيرصحيحة وتجنى على الهيئات القضائية والأمنية .. تخشى الرابطة ان تكون هذه مقدمة للجم أي محاولة، مهما كانت هامشية، للمساهمة فى الإصلاح المنشود لأجهزة الدولة عن طريق التفحّص والتدقيق فى الطرق التى تؤدى بها هذه الأجهزة لمهامها والكيفية التى تنفذ بها الأجهزة العمومية، بما فيها جهاز القضاء الليبى، أحكام القانون والإدارة. وتأسف الرابطة بانه فى الوقت الذى نشر فيه نص "مذكرة بشأن حبس المدعو جمال أحمد الحاجي" على أحد مواقع الأنترنت، لم ينشر الموقع حتى الآن نص "شكوى" السيد الحاجى ليتمكن الناس من معرفة الحقيقة المجردة وليست الحقيقة كما يراها احد الطرفين (المدعى العام) دون إعطاء فرصة للمدعى عليه (السيد الحاجى) ان يتعرف الناس عن وجهة نظره . وتـامل الرابطة ان لا تتكرر طريقة نشر "نصف الحقيقة" هذه من وسائل الإعلام خاصة فى المواضيع الحساسة والخطيرة لما لهذه الطريقة المنافية لميثاق شرف مهنة الصحافة من مخاطر ليس فقط على الحقيقة ذاتها وإمكانية تمويهها، بإغراق القارئ بوثائق ظاهرها البحث عن الحقيقة وباطنها تمويه للحقيقة وحجبها، وإنما ايضا مخاطرعلى حق المواطن فى المعرفة والذى يجب ان يكون جوهر العمل الصحفى وغايته. وتنتهز الرابطة هذه الفرصة لتطلب من الموقع الذى نشر نص مذكرة المدعى العام بمطالبة المكتب الذى زوده بذلك النص بتزويده أيضا، حرصا على حق القارئ فى المعرفة، بصورة من رسالة السيد الحاجى ونشرها لنتمكن جميعا من إبداء الرأي فيها على ضوء ماجاء فى مذكرة المدعى العام.
2. إن اول مايجب على المتتبع لهذا الملف أن يعرفه هوإن السيد الحاجى لم يذهب لأي مركز شرطة أو اي محكمة لفتح ملف شكوى ( قانون الإجراءات)، ضد اي كان، وإنما أرسل تظلما/عريضة، ككل العرائض التى يرسل بها المواطنون يوميا وفى جميع دول العالم الى المسؤولين (الى وزير العدل مثلا أو أي وزيرا آخر)، أبدى فيها وجهة نظره الخاصة بشأن قضايا الشأن العام بما فيها ربما الإشارة الى ما يعتبره تجاوزات من المسؤولين عن الشأن العام يجب القيام بإصلاحها. وقد كان بالإمكان إنهاء الموضوع بكتابة رد بسيط لشكرالسيد الحاجى على اهتمامه بالشان العام ولطمأنته بأن وزارة العدل اخذت علما بالمواضيع التى أثارها فى رسالته وستعمل على اصلاح كل مايجب إصلاحه – وتنتهى القصة بكاملها فى هذا الحد. ولتذكير مكتب المدعى العام فانه يوجد فى جميع الدول الديموقراطية جهازا كاملا لاستلام الشكاوى والمظالم من أي شخص، كالسيد الحاجى، يـعتبـر نفسـه متضـررا مـن بعض التدابيـر التنفيذيـة التـي اتخذها موظفون عموميون من أي جهاز من أجهزة الدولة بما فيها جهاز العدل وجهازالأمن بغية التحقّق من موافقتها للقانون وتوافر مقتضيات العدالة والإنصاف في تنفيذها. وقد استحدث جهاز المظالم فى هذه الدول خصيصا لتحقيق العدالة خارج النظام القضائى وكبح جماح المسؤولين وردهم الى الطريق القويم كلما أساءوا استعمال سلطتهم أوانحرفوا في ممارستهم لمهامهم الرسمية في مواجهة الافراد خاصة وأن الشعور بعدم كفاية الوسائل التقليدية في الرقابة على اعمال الشأن العام وحماية حقوق الافراد وحرياتهم فى ازدياد مستمر. وهناك من يرجع مصدرانتشارالفساد الإدارى والمالى وحتى الأخلاقى الذى تعيشه ليبيا منذ سنين الى (أولا) ضعف استقلال السلطة القضائية لحد انها تخلت عن دورها الأساسى فى لعب دور القاضى العادل والمنصف وقبولها بدور أمنى مكملا لدورالأجهزة الأمنية الثورية وغير الثورية ثم (ثانيا) الى غياب جهاز مستقل للمظالم يراقب ويلزم جميع موظفى الدولة، بمن فيهم المدعى العام، بتسهيل طرق تعامل أجهزة الدولة مع المواطنين عن طريق تعزيز المسائلة والشفافية ونشر المعلومات. وتود الرابطة التأكيد، فى هذا الخصوص، على أهمية الدور الرقابى لمنظمات المجتمع المدنى المستقلة والتى لازالت، بكل أسف وربما لهذا السبب بالذات، محظورة فى ليبيا. وتود أيضا التأكيد على اهمية نشر ثقافة الشكوى والتظلم لدى المواطنين والمتعاملين مع أجهزة الدولة للحصول على الحقوق، وللمساهمة في علاج الإجراءات والقرارات والممارسات الخاطئة، وللتأكيد أيضا على حق المواطن في الحصول على أفضل الخدمات وللارتقاء بأداء الإدارة العامة ولإرساء مبدأ الشفافية والمساءلة. هذه هي المساهمة الحقيقية لشكوى السيد الحاجى والتى تعتبر، بكل المقاييس، مساهمة فى غاية الأهمية بالنسبة للأداء الوظيفى فى مجال الشأن العام. وتخشى الرابطة ان يكون الهدف من سجن السيد الحاجى إرهاب الليبيين وصدهم عن الإلتجاء الى الشكوى والتظلم المكتوب ضد أجهزة الدولة التى تسيئ استعمال سلطتها ومنعهم من التمتع بحقهم فى نقد أداء الإدارة العامة بما في ذلك نقد إداء القضاء وأداء الأجهزة الأمنية المشهورة بسوء استعمال السلطة.
3. أما فيما يخص الإتهامات التى وجهت الى السيد الحاجى واستعملت كسبب واهى لسجنه، برغم انه لا توجد ضرورة ملحة لذلك وكان بالإمكان بقائه فى بيته مع اسرته فى انتظار المحاكمة، فتود الرابطة ان تلفت انتباه الرأي العام بأن السيد الحاجى ليس بالليبي الوحيد الذى تناول ونقد المواضيع التى بسببها اودع السجن. وحسب فهم الرابطة فإن الإتهامات كما نقلها موقع "ليبيا اليوم" بتاريخ 11 ديسمبر 2009 على "لسان مصدر بمكتب النائب العام" الموجهة للسيد الحاجى جائت على النحو التالى: " لقد تقدم{السيد الحاجى} بشكوى رسمية في 24/5/2009 يتهم فيها الأجهزة الأمنية بتعذيبه وازدرائه ومنعه من السفر ، وأن القضاء في ليبيا غير مستقل ويخضع لسيطرة الأجهزة الأمنية". اي ان السيد الحاجى قدم عريضة الى وزير العدل تطرق فيها الى أربعة مواضيع وهي 1. خضوع القضاء للأجهزة الأمنية ، 2. القضاء غير مستقل ، 3. استمرارممارسة التعذيب من طرف الأجهزة الأمنية و4. وجود قوائم من الممنوعين من السفر. هذه هي النقاط، حسب مانشر حتى الأن، التى بنيت على أساسها الدعوى القضائية ضد السيد الحاجى باعتبارها "اتهامات" غيرصحيحة وتجنى على الهيئات القضائية والأمنية وهو أمر يعاقب عليه القانون الليبي كما جاء فى خبرموقع "ليبيا اليوم" المذكور. ولا بد ايضا من الملاحظة بأن السيد الحاجى لم يوجه تظلمه الى الصحافة لنشره وإنما وجهه خصيصا الى وزير العدل الذى كان يفترض أن مكتب المدعى العام، بعد التحقيق فى محتواه واحتراما لمكتب الوزيرعلى الأقل، يقوم بإعداد ردا موضوعيا لتوقيع وزير العدل يجيب به على تسائلات السيد الحاجى ويغلق الملف. ولندقق الآن فى ماقاله السيد الحاجى والذى اعتبره المدعى العام جريمة باعتباره "غير صحيح وتجنى" عن الهيئات القضائية والأمنية:
الإتهام الأول: خضوع القضاء للأجهزة الأمنية
4. إن خضوع القضاء الليبي لمتطلبات الأجهزة الأمنية ليست ببدعة من السيد الحاجى وهو موضوع متداولا ومعروفا ومسلما به لدى أغلب الليبيين، باستثناء ربما المدعى العام. ولا تخفى أجهزة "اللجان الثورية"، وهي اساسا جهاز أمن خاص مهمته "الدفاع عن الثورة" بكل الطرق القانونية وغير القانونية، وبعض الأجهزة الأمنية الأخرى من تثمين هذا الخضوع الذى تعتبره بالشئ الطبيعى (من منطلقات ثورية) وهو موضع تقدير وفخر من طرفها. وهي لا تعير فى ما تراه دفاعا عن "الثورة" أي اهتمام لا للقضاء ولا للعدل ولا للإنصاف. فيهدد أعضاؤها الناس بالكلاشنكوف ويقوموا باعمال القتل العمد مع سابق الإصرار والترصد (التصفية الجسدية) ويستولوا على أموال الناس وممتلكاتهم مثلا دون اي تدخل من القضاء أو تحرك من مكتب المدعى العام، ويسجنوا الليبيين فى معتقلات سرية دون أن يكون للقضاء قدرة على منعها من ذلك ويقودوا الشباب والطلبة الى المشانق وميادين الشنق ويقتلوهم( محمد احفاف، حافظ المدنى، دبوب، بن سعود وأخرون) ويعذبوا حتى الموت فى "المثابات" والمعتقلات السرية (عامر الدغيس وحسين الصغير ومحمد حمى وعبد العزيز الغرابلى وآخرون) دون ان ان يسمح للقضاء حتى بالتحقيق فى مايعتبره القانون جرائم قتل متعمد لتدوينها وحفظها للذاكرة الوطنية ودون ان يصدر مكتب المدعى العام الموقر اي اتهام حتى احتراما لأولئك الذين فقدوا حياتهم. ألا يمثل هذا انتهاكا سافرا لدور ومهام القضاء؟ ألا تعتبر هذه هيمنة غير مسبوقة من الأجهزة الأمنية على مقدرات القضاء والعدل فى ليبيا؟. ألا تمثل كل هذه التصرفات إهانة غير مسبوقة من طرف الأجهزة "الثورية" و"الأمنية"، وليس من السيد الحاجى، للقضاء الليبيى؟ هل أصدر مكتب المدعى العام أي امرا بتوقيف اي من مرتكبى كل هذه الجرائم وكل هذه الإهانات ضد القضاء؟ هل ان ما قاله السيد الحاجى لا يقصد منه فى الأساس الدفاع عن استقلال القضاء وتـأكيدهيبته؟ إن المستفيدين الوحيدين من إهانة القضاء وإضعاف دوره واستقلاله، فى ليبيا اليوم، هم الأجهزة الأمنية القمعية (الامن الداخلى واللجان الثورية) الذين يستمدون قوتهم أصلا من ضعف القضاء وانتهاك القانون وكلما ازداد ضعف القضاء زادت الأجهزة الأمنية قوة. وعلى العكس من ذلك فإن أمن وسلامة المهتمين بالشأن العام ونشطاء حقوق الإنسان من أمثال السيد الحاجى تعتمد اعتمادا كليا على قوة القضاء ودرجة استقلاليته وكلما ضعف القضاء ازدادت تلقائيا المخاطرعلى سلامة وأمن هذه الشريحة من المجتمع التى لا يمكن ان يكون لها وجود فى مناخ خال من قضاء مستقل عادل ومنصف. إن نقد السيد الحاجى، من هذا المنطلق، ليس موجها ضد القضاء بقدر ما هو موجها ضد "إضعاف وتعطيل القضاء" الذى يرى فيه ومن خلاله تهديدا مباشرا لسلامته وأمنه الشخصي. وقد اثبتت الأحداث سلامة نقده حيث لا يمكن أن يتصور ان يسجن اي إنسان بسبب رأيه فى أداء مرفق عام لوظيفته إلا إذا سلمنا بأن ضعف القضاء قد وصل الى درجة غاية فى الإنحدار.
5. حتى وزير العدل لم يجد بدا من التذمّر من هذا الضعف من جراء الهيمنة الكاسحة والتدخل غير القانونى للأجهزة الأمنية فى آداء القضاء لمهمته. فتوجه بدوره بشكوى بتاريخ 26 يونيو 2008 الى رئيس الوزراء (اللجنة الشعبية العامة) أبدى فيها قلقه البالغ من تصرفات الأجهزة الأمنية المنافية للقانون وانزعاجه الشديد من تأثيراتها السلبية على مهمة القضاء وسير العدالة واحترام حقوق الإنسان الذى يمكن أن تنجر عن هذه التصرفات . وابدى الوزير على وجه الخصوص قلقا شديدا من عدم تعاون الأجهزة الأمنية مع وزارته ورفضها التقيد بالقانون وتنفيذ الأحكام القضائية الخاصة بإطلاق سراح بعض المساجين الذين برأهم القضاء وآخرون أنهوا مدة عقوبتهم إلا أنهم ظلوا آنذاك فى معتقلات تابعة لأجهزة الأمن دون مبرر قانونى. وقد انهى الوزير رسالته الى رئيس الوزراء بإحالة الأمر له شخصيا " لاتخاذ مايلزم مع الجهات ذات العلاقة لاحترام الأحكام القضائية واحترام القانون. وعدم المضي فى أمور قد تكلف الدولة أعباء مالية وتنال من سمعتها كراعية لحقوق الإنسان". وقد عاد الوزير فى مقابلة مع جريدة أويا فى 2 نوفمبر 2009 الى نفس الموضوع أي موضوع رفض الأجهزة الأمنية التقيد بالقانون حيث قال ردا على سؤال الصحفى فيصل الهمالى الذي سأله عن ما إذا كان الوزير يشاطره الراي فى " أن وجود مظلوم في الحبس رفقة المجرمين قد يسبب له أضراراً لايمكن علاجها فيما بعد؟. وقد كان رد الوزير واضحا لا يقبل التـاويل حيث قال : " دعنا نتحدث بصراحة أكثر.. عندما تحتكم للقضاء وتقدم الملف للقضاء ويحكم القضاء بالبراءة على الجهات الأمنية أن تحترم هذا الحكم لأن لدينا أكثر من "500" متهم محكومين بالبراءة منذ شهر 6-2008 أي من حوالي سنة وأربعة أشهر ولم يتم الإفراج عنهم حتى الآن بحجج أمنية على الرغم من أن القانون يلزم الجهات الأمنية بالإفراج عن المتهمين بموجب القانون". هذا الكلام لم يقله السيد الحاجى ياسيادة المدعى العام أو هل تنوون إصدار مذكرة أيقاف ضد المستشار مصطفى عبد الجليل أيضا؟ ويمكنكم ايضا، فى هذا السياق، إصدار مذكرات إيقاف اخرى ضد مؤسسة القذافى التى جاء فى تقريرها الذى اصدرته قبل اسبوعين فى سياق نقاشها لعلاقة دولة القانون بتنفيذ أحكام القضاء ب"ان عدم الإفراج عمن صدرت بحقهم أحكام بالبراءة ، وأولئك الذين انتهت مدة محكوميتهم ، لايمكن وصفه إلا تحت عنوان ،أن جهة الإدارة لا تحترم أحكام القضاء ، وهنا لابد من وصفٍ لحكومة لا تحترم أحكام مؤسستها القضائية ،ومن سؤال عن الشرعية التي تبقى أية حكومة تقليدية أو شعبية في مهامها المكلفة بها في ضل عجزها عن تنفيذ أحكام القضاء؟، ومن سؤال أعمق وهو من يدير دواليب الدولة هل اللجنة الشعبية العامة أم جهات أخرى..؟
الإتهام الثانى : القضاء غير مستقل
6. كل الناس، وليس السيد الحاجى وحده، تعرف بان القضاء فى ليبيا غير مستقل وغير منصف ولاعادل. حتى مؤسسة القذافى الذى لا يمكن اتهامها بمعارضة النظام الحاكم لا يختلف رايها عن راي السيد الحاجى فى هذا الخصوص. وقد جاء فى تقرير نشرته المؤسسة قبل اسبوين فقط أي يوم 10 ديسمبر 2009 مايلى:
"لقد انشرحت صدور الكثير من المواطنين الليبيين بعد أن قرروا بالإجماع إلغاء محكمة الشعب ، التي كانت تمثل بحق نقطة سوداء في جبين المشروعية وسيادة القانون، إلا أن هذا التفاؤل الكبير لم يدم طويلاً بعد صدور القانون رقم (7) لسنة 2005ف ، الذي أحال الإختصاصات والصلاحيات التي كانت للإدعاء الشعبي ، ولمحكمة الشعب ، للنيابات والمحاكم التخصصية بحسب الأحوال ، ليكتشف الناس أن أرادتهم قد زورت في مشهد علني لايمكن وصفه، وأن قانون إلغاء المحكمة قد تضمن فقط إلغاء اللوحة التي كانت معلقة أمام مبنى محكمة الإستئناف لتصبح فيما بعد محكمة ((أمن الدولة)) وتكفل المجلس الأعلى للهيئات القضائية الذي يفترض أن يكون حارساً حقيقياً للعدالة بإكمال المهمة بإنشاء محكمة أمن الدولة ، مخالفاً بذلك كل الوثائق الدستورية والقوانين الإجرائية الجنائية، ضارباً بإرادة المشرع الحقيقي عرض الحائط مساهماً في إجهاض العدالة ، ومخالفاً لمقتضيات المحاكمة العادلة التي نصت عليها الوثائق الدستورية الليبية والاتفاقيات الدولية ذات العلاقة والتي وقعت وصادقت عليها ليبيا.." (انتهى الإقتباس). هل سيصدر مكتب المدعى العام أمرا بإلقبض، كالامر الذى أصدره ضد السيد الحاجى، على المسؤول عن هذا التقرير داخل "مؤسسسة القذافى" ؟
7. هل يمكن للسيد المدعى العام أن يوجه اتهاما لمواطن بإهانة القضاء بمجرد أنه يعتقد ان القضاء فى ليبيا ضعيف وغير قادر على تأدية مهامه فى الظروف الحالية وإيداعه السجن فى حين لم يصدر ولو امرا واحدا حتى بالتحقيق فى جريمة راح ضحيتها 1200 ليبيا. اليست هذه إهانة حقيقية للقضاء وتاكيدا واضحا على عدم استقلاليته. هل اصدرالسيد النائب العام امرا بالتحقيق مع المسؤولين عن قتل اطفال بنغازى ال500؟ وهل أصدر السيد النائب العام امرا بالتحقيق فى اختفاء المواطن الليبيى الأستاذ منصور الكيخيا فى مصر؟ وهل أصدرالسيد المدعى العام أمرا بالتحقيق فى الإختفاء القسري للدكتور عمرو النامى والصحفى عبد الله الضراط وآخرون؟ وهل أصدرالسيد المدعى العام أمرا بالتحقيق فى جريمة تعذيب السيد حسين الصغير و محمد حمى وعامر الدغيس وعبد العزيز الغرابلى وأخرون حتى الموت؟ وهل أصدرالسيد المدعى العام امرا بالتحقيق مع قاتلي الشرطية البريطانية وجرح احدى عشر مواطنا ليبيا؟ وهل أصدرالسيد المدعى العام أمرا بالتحقيق مع "فرسان" التصفيات الجسدية؟ وهل اصدرالسيد المدعى العام أمرا بالتحقيق مع قاتلي الطلبة وشانقيهم فى الجامعات والساحات العامة ؟ وفى النهاية هل إحجام السيد المدعى العام عن إصدار اي امر تحقيق أو إيقاف ضد قتلة معروفين لمواطنين ليبيين هي سمة من سمات القضاء المستقل ام دليلا على القضاء الخاضع والراضخ لأوامر الأجهزة السياسية والأمنية؟ بكل تأكيد – إن إحجام السيد المدعى العام عن إصدار اي أمر ايقاف او حتى تحقيق فى كل هذه الإنتهاكات الجسيمة لهو دليل قاطع على عدم استقلالية القضاء وتبعيته المطلقة للاجزة السياسية والأمنية.
الإتهام الثالث: استمرار ممارسة التعذيب من طرف الأجهزة الأمنية
8. مرة أخرى نود التأكيد بأن ليبيا معتبرة دوليا من أكثرالدول التى يمارس فيها التعذيب على نطاق واسع برغم انضمامها الى الإتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب التى لا تحتوي على آلية لمراقبة التعذيب أو التأكّد من عدم ممارسته. ولسد هذه الثغرة فى الإتفاقية فقد أضيف اليها "بروتوكول اختيارى لمنع التعذيب" ينص على تكوين لجنة فرعية لمنع التعذيب تقوم بتنظيم زيارات "تفتيش" غير معلنة للاماكن التى يحرم فيها الاشخاص من حريتهم( معتقلات أجهزة الأمن والمثابات مثلا بالإضافة الى السجون الرسمية المعروفة) والتى تختارها اللجنة دون معرفة الدولة الطرف فى البروتوكول الإختيارى. وتلاحظ الرابطة بكل أسف ان الحكومة الليبية لم تنضم الى هذا البروتوكول وهو نوع من الإعتراف غير المباشر بالإستمرار فى ممارسة التعذيب وإلا ما يمنع الحكومة من الإنضمام الى البروتوكول وفتح معتقلاتها، كال 140 دولة التى انضمت الى البروتوكول حتى الآن، الى لجنة منع التعذيب إذا ليس لها ما تخفيه فى هذا الشأن؟. كذلك لا يوجد اي مبرر لوجود معتقلات سرية إلا كونها أماكن خاصة يمارس داخلها أنواع من التعذيب لا يمكن ممارسته فى السجون العادية لقسوته الشديدة وتجرده من الإنسانية. كذالك تود الرابطة الإشارة الى ما جاء فى تقرير مؤسسة القذافى والذى يؤكد على استمرار ممارسة التعذيب كما جاء فى شكوى السيد الحاجى. وقد ورد فى التقريرأن جمعية حقوق الإنسان " تلقت عدد كبير من الشكاوى وسجلت عدة إنتهاكات صارخة خلال عام 2009م عن حالات تعذيب وسوء معاملة وحجز غير مبرر للحرية وتعمد واضح لإنتهاك القانون ، ويبدو أن هذه الظاهرة التي كادت أن تختفي قد تصبح في المستقبل في تزايد مستمر بسبب الحصانات التي تقررها بعض القوانين الخاصة للعاملين ببعض الأجهزة ، والجمعية تهيب بالمشرع إلى إلغاء كل الحصانات التي قد تساعد في إفلات بعض المخالفين من العدالة ، وتدين كل أعمال التعذيب وتطالب بالتحقيق في كل الشكاوى المقدمة من المواطنين.." بما فيها شكوى السيد الحاجى الذى اصبح، على ضوء تقييم وزير العدل وجمعية القذافى للأعمال الخيرية لأوضاع القضاء والأجهزة الأمنية، استمرار حجزه قضية شخصية لا علاقة لها بما جاء فى الشكوي التى قال المدعى العام انها تحتوى على إهانة للقضاء.
الإتهام الرابع: قوائم الممنوعين من السفر
9. إن وجود قوائم بشأن مواطنين ممنوعين من ممارسة حقهم فى حرية التنقل شيئ معروف للجميع لا يمكن إنكاره وهو ليس فى حاجة الى اي تعليق وتستغرب الرابطة ان توجه تهم قضائية حول حقيقة وجود هذه القوائم كما تستنكر حرمان الأجهزة الأمنية للمواطنين الذين تحتويهم تلك القوئم من ممارسة حقهم فى حرية التنقل. ويكفى الإشارة الى البيان الذى أصدرته مؤسسة القذافى للأعمال الخيرية، التى لا يمكن اتهامها بجهة ذا مواقف غير ودية اتجاه الحكومة، .. أصدرته فى 27 ابريل 2008 بِشأن ازالة قائمة من المواطنين تحتوى على 231 إسما من قوائم الممنوعين من السفر التى اعلنت نفس المؤسسة فى بيان سابق أنها تحتوى عن اسماء ما لايقل عن 40.000 مواطنا. والجدير بالتنويه بان حرية التنقل هو حق اساسى من حقوق الإنسان لايجوز حرمان اي مواطن منه إلا بناءا على حكم قضائى. ويعتبرتصرف الأجهزة الامنية فى هذا الحق جزافا انتهاكا صارخا لحق المواطن فى التنقل وتدخل غير قانونى فى مهام القضاء.
10. بناءا على ما تقدم تطالب الرابطة بما يلى:
أولا: الإفراج الفورى عن السيد جمال الحاجى وإسقاط جميع الدعاوى الموجهة ضده
ثانيا: الإفراج الفورى عن جميع المحتجزين خارج سجون الدولة الرسمية وتقديم المسؤولين عن هذا العمل المشين والمنافى للقانون لمحاكمة عادلة. وتهيب الرابطة فى هذا الخصوص بمكتب المدعى العام بإصدار أمر تحقيق عاجل يحدد على ضوء نتائجه المسؤوليات والكيفية التى يمكن بها معالجة ملف المعتقلات الأمنية.
ُثالثا: إغلاق جميع ملفات سجناء الرأي والضمير عن طريق إصدار عفو عام يشمل جميع السجناء و المتهميتن فى قضايا سياسية وفكرية.
رابعا: نشر كشف دقيق وكامل بالمعتقلات خارج الرقابة القضائية وكذلك بعدد المحتجزين واسباب احتجازهم ومددها واعتبارهؤلاء بمثابة مخطوفين من قبل الأجهزة الأمنية يجب تعويضهم عن ما قاسوه من عذاب مباشر وغير مباشرمن جراء عدم تقيد الأجهوة الأمنية بالقانون.
ثالثا: فتح تحقيق محايد فى تجاوزات الاجهزة الأمنية ولا سيما فى خصوص إقامة المعتقلات الخاصة وإدارتها خارج نطاق القانون.
رابعا : فتح تحقيق إداري داخل وزارة العدل للوقوف على دور مكتب المدعى العام ومدى حياده فى مسائل "التحقيق والإتهام" فى ضوء أحجام هذا المكتب عن القيام بواجبه الوظيفى حيال تجازوات جسيمة مثل احجامه عن إصدار اي أمر بالتحقيق فى جريمة القتل بالجملة فى سجن بوسليم وإحجامه عن توجيه اي اتهام حتى الآن لقتلة اطفال بنغازى.
خامسا: إقامة مكتب مستقل لقبول تظلمات وشكاوى المواطنين المتعلقة بإدارة الشان العام.
28 ديسمبر 2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق