الخميس، 15 يوليو 2010

مجزرة بوسليم ومجزرة قرية "فاطمة" بالأرجنتين




١٥ يوليو ٢٠١٠


مجزرة بوسليم ومجزرة قرية "فاطمة" بالأرجنتين
التشابه والإختلاف


١. بدأت يوم الجمعة ٢ يوليو ٢٠١٠ محاكمة خورخي رفائيل فيديلا، دكتاتور الأرجنتين السابق، حيث يواجه سيلا من التهم المتعلقة بانتهاك حقوق الإنسان التي تراكمت ضده منذ أن اعلن مجلس القضاء الأعلى فى الأرجنتين فى سنة ٢٠٠٥ عدم دستورية قرار العفو العام الذى أجبر العسكر الرئيس الفونسين على إصداره لصالحهم فى سنة ١٩٨٧ عقب توليه السلطة كأول رئيس مدنى للأرجنتين بعد حقبة سوداء من حكم العسكر (١٩٧٦ـ ١٩٨٣). وقد أصدر الرئيس ألفونسين العفو العام لتجنيب الأرجنتين حربا أهلية كان الجنرالات، الذين أجبروا على العودة الى ثكناتهم، يهددون بإشعالها. ويواجه هذه المرة الدكتاتور السابق فيديلا البالغ من العمر ٨٤ سنة مع ٢٤ متهما اخر من كبارمسؤولي حقبة الدكتاتورية.. يواجهون جميعا تهما بمقتل ٣١ سجينا سياسيا ينتمون الى اليسار الديموقراطى أٌخذوا من زنزاناتهم بسجن فى العاصمة بيونس إيرس معروف بIntendencia فى سرية تامة بعد ايام قليلة من نجاح الإنقلاب العسكرى (٢٤ مارس١٩٧٦) ونقلوا معصوبي الأعين الى قرية "فاطمة" التى تبعد حوالى ٦٠ كيلومترا من العاصمة وأطلق عليهم جميعا النار واضرمت فى جثثهم النار والقي برمادها فى البحر.
٢. لا شك ان هذه الجريمة تحي فى الضمير الإنساني ذاكرة جريمة سجن بوسليم للتشابه القائم بين الجريمتين اللتين ارتكبتا فى سرية من طرف أجهزة "امنية" تتمتع ب"ثقافة" إرهابية عالية ضد سجناء عزل من السلاح لا يمثلون اي خطر ولم توجه لهم أية تهم رسمية ولم يقدموا الى أية محاكمة حتى ولو لمُجرد محاكمة صورية وغير عادلة. التشابه الآخر يكمن فى أن أهالى مجزرة فاطمة بالأرجنتين، تماما كأهالى شهداء بوسليم، لم يخطروا بوفاة اقربائهم إلا بعد سنوات من تاريخ وقوعها أي بعد اكثر من عشرة سنوات بالنسبة لمجزة بوسليم وبعد اكثر من ثمانى سنوات بالنسية لمجزرة "قرية فاطمة".
٣. وتجدر هنا الإشارة الى كون قادة "المجلس العسكرى" (الخنتة) قد حوكموا فى سنة ١٩٨٥ حيث صدرت أحكاما بالسجن المؤبد على فيديلا وزملائه الثمانية جنرالات الآخرون فى المجلس الذي قاد حكومة الأرجنتين من ١٩٧٦ إلى ١٩٨٣ . وقد شملت الأحكام بالسجن المؤبد تلك ثلاثة جنرالات فقط من جنرالات المجلس العسكري التسعة على دورهم في "مجزرة فاطمة". أما بقية الجنرالات بما فيهم الجنرال فيديلا والمتورطون الآخرون في هذه المجزرة وعددهم٢٤ شخصا، فهم يعودون الآن (٢ يوليو ٢٠١٠ ) مُجددا للمحاكمة على دورهم في تلك الجريمة التي راح ضحيتها ٣١ شابا أرجنتينيا، تتراوح أعمارهم ما بين ال٢٧ و ال٤١ ربيعا، برغم أن الذين يقدمون إلى المحاكمة اليوم محكوم عليهم جميعا في محاكمات سابقة بالسجن المؤيد ضمن جرائم اغتيالات وجرائم تصفيات جسدية، و جرائم اختفاء قسري، وتعذيب، واغتصاب وجرائم أخرى.
٤. لقد أبى القضاء المستقل الأرجنتيني إلا أن يقدم، باسم الدولة الأرجنتينية، الاعتراف والعرفان لهؤلاء الشباب، الذين فقدوا حياتهم من اجل حرية وكرامة شعب الأرجنتين عن طريق جرجرة جلاديهم أمام القضاء لمقاضاتهم على جرائمهم التي سوف تظل تلاحقهم إلى النهاية. ويذكر أن محاكمات ١٩٨٥ لم تدين الجنرال فيديلا في تورطه في مجزرة "قرية فاطمة" لنقص الأدلة. وها هو اليوم يعاد، بعد ٣٤ سنة من وقوع جريمة قرية فاطمة، للمحاكمة لكونه كان وقت وقوع الجريمة يتمتع بجميع السلطات ( الشرعية العسكرية)، إلا انه، وفق التهمة الموجهة له الآن، أخل بمسؤولياته بعدم استعمال تلك السلطات لوقف الجريمة، وهو يقف اليوم أمام القضاء متهما كمشارك أساسي في تلك الجريمة.
٥. يذكر كذلك ن الجنرال فيديلا الذى قاد الإنقلاب العسكرى ضد حكومة السيدة إيزابيل بيرون فى ٢٤ مارس ١٩٧٦ قد شكل، عقب نجاح الإنقلاب، "المجلس العسكرى" من تسعة جنرالات كانت اول قراراته إلغاء الدستور وحظر الأحزاب السياسية فى الأرجنتين ( فى ليبيا القانون المعروف بمن تحزب خان !) تلاهما قرار حظر التظاهر والتجمهر وفرض الرقابة على الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى وفرض هيمنة العسكر على النقابات ومنظمات المجتمع المدنى (فى ليبيا قانون حماية الثورة الصادر فى ١١ ديسمبر ١٩٦٩). وكان لكل هذه القرارات المنافية لأبسط قواعد حقوق الإنسان أن انتهت حكومة العسكر بشن حربا (معروفة ب"الحرب القذرة" عذبت وقتلت خلالها الآلاف من شابات وشباب الأرجنتين الذين قارعوا الدكتاتورية والذين يوصفهم الدكتاتوريين "بالمخربين". ويعتبر العسكر قتل وتصفية وخطف المعارضين وتعذيبهم أعمالا مشروعا وقد اعتبرها المجلس العسكرى رسميا بأنها "أعمال ضرورية لمحاربة الشيوعية"! (فى ليبيا القضاء على المرضى والحزبيين). يبدو ان اعضاء المجلس العسكرى فى الأرجنتين كانوا على دراية كاملة بالقرارت الاولى "لمجلس قيادة الثورة" بليبيا والتى يبدو ان كان لها تاثيرا كبيرا على القرارات الاولى ل"لمجلس العسكرى" الأرجنتينى؟!
٦. فى الوقت الذى يبدو فيه تشابه كبير بين القرارات التعسفية الاولى لجنرالات الأرجنتين وقرارات "مجلس قيادة الثورة" فى ليبيا المنافية لحقوق الإنسان، فان التشابه الأكبر يكمن فى ردود الفعل لنساء الأرجنتين ونساء ليبيا على جريمة قرية فاطمة وجريمة سجن بوسليم. ففى الأرجنتين قامت نساء الارجنتين بتنظيم لقاء فى "ميدان مايو" بوسط العاصمة بيونس إيرس (٣٠ أبريل ١٩٧٧) وكونوا حركة تحت اسم "جمعية امهات ميدان مايو" (Associacion Madres de Plaza de Mayo) هدفها الوحيد هو العمل بكل الطرق على معرفة مصير اولادهن واحفادهن وبناتهن وحفيداتهن المخطوفين والمختفين جراء ممارسة المجلس العسكرى لسياسة جريمة التصفية الجسدية وجريمة الإختفاء القسرى وجريمة الخطف والقتل خارج نطاق القانون على نطاق واسع والذى يقدر عدد ضحاياها بثلاثين الف ضحية. وقد دأبت "امهات ميدان مايو" على الوقوف كل يوم خميس فى ميدان مايو والمطالبة بكشف حقيقة مصير اطفالهن تماما كما تفعل اليوم نساء بنغازي كل يوم سبت. ويأتن أمهات ميدان مايو فى لباسهن العادى ويوضعن على جبينهن قطعة قماش بيضاء (عصابة) مطروز عليها إسم الضحية. وما جرجرة دكتاتور الارجنتين جنرال فيديلا امام المحاكم وهو فى عمر ال ٨٤ سنة وبرغم الأحكام السابقة بسجنه مدى الحياة إلا دليلا قاطعا على النجاح الذى حققته نساء الأرجنتين على جلادين الشعب الأرجنتينى. هذا ولا تزال جمعية أمهات ميدان مايو نشطة فى مجال البحث عن المخطوفين والمختفين، برغم انهائها لوقفة يوم الخميس الاسبوعية، ويمكن الإتصال برئيستها السيدة استيلا كرلوتو، المرشحة لجائزة نوبل للسلام، للاستفادة من خبرتها فى خصوص البحث عن الحقيقة واستعمال خبرتها لكشف حقيقة جريمة مجزرة بوسليم. والجدير بالذكر ان السيدة كرلوتو فقدت، مثل أمهات شباب مجزرة بوسليم، ابنتها الجامعية التى خطفها العسكر من مدرجات جامعة بيونس إيرس وعذبوها لكونها صمدت ونادت بالحرية فى وجه الطغاة الذين أطلقوا عليها الرصاص.
٧. تنتهز الرابطة الليبية لحقوق الإنسان مناسبة دق آخر مسمار فى نعش الدكتاتورية الأرجنتينية(محاكمة الطغاة) لتوجه تحية إكبار وإجلال الى سيدات الأرجنتين اللاتى ساهمن بوقفاتهن الشجاعة كل يوم خميس فى ميدان مايو فى الإسراع بسقوط أعتى دكتاتورية والقضاء على أبشع سلطة إرهابية عرفتها امريكا اللاتينية. ولا يخالج الرابطة شك فى ان سيدات ليبيا بوقفتهن السلمية الشجاعة كل يوم سبت فى ميدان سوف يعجلن بانقشاع الحقيقة كل الحقيقة حول مجزة بوسليم والمصير الذى آل إليه أكثر من ١٢٠٠ شهيدا، خيرة شباب لييبيا الذين ضحوا بحياتهم من اجل حرية ليبيا وشعبها. توجه الرابطة نداءا الى سيدات ليبيا فى كل قرى وكل مدن ليبيا للتضامن الفعال مع سيدات بنغازى ومع أمهات وأسر الشهداء فى كل مكان لضمان عدم تكرار ما جرى فى بوسليم والذى يمكن ان يكون ضحيته ابن او ابنة أي اسرة فى ليبيا إذا ما تكرر.
١٥ يوليو ٢٠١٠

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق