3 مايو 2009
اليوم العالمى لحرية الصحافة: فى ليبيا توجد صحافة ولكن بدون حرية
1. يحتفل العالم فى الثالث من مايو من كل عام باليوم العالمى لحرية الصحافة. وقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سنة 1993 هذا اليوم لتذكير العالم زمن ضمنه ليبيا والليبيين بأهمية حرية الصحافة التى هي جزء لا يتجزأ من حرية الرأي والتعبير وبدورها المهم فى تحديد نجاح أو فشل اي خطط وطنية للتنمية الإقتصادية والإجتماعية والسياسية. وقد أرجع كل خبراء التنمية الفشل الذريع الذى لاقته مشاريع التنمية فى ليبيا سواء تعلق الأمر بمشاريع البنية التحتية او المشاريع الزراعية أو الصناعية او مشاريع القطاعات الأخرى لغياب هذا العامل التنموى الحاسم المتمثل فى غياب الصحافة الحرة وحرمان المواطن الليبيى من إبداء رأيه فيها بحرية إما مباشرة أو عن طريق ممثلين منتخبين فى انتخابات حرة ونزيهة. ويهدف هذا اليوم كذلك الى تذكير الحكومات بما فيها الحكومة الليبية بضرورة احترام التزاماتها تجاه حرية الصحافة والإعتراف بحق المواطن فى معرفة الحقيقة التى لا تتحقق مع استمرارانتهاك حرية الصحافة فى ليبيا وحرية الرأي والتعبير بصفة عامة. ويعد اليوم العالمى لحرية الصحافة يوما لتقديم الدعم للإعلاميين ضحايا الإضطهاد السياسى والإدارى والى وسائل الإعلام المستهدفة بأعمال من شأنها تقييد دور الصحافة وحريتها مثل الإعتداء ات التى تعرضت لها بعض المواقع الإعلامية الليبية على الأنترنت ومنها موقع أخبار ليبيا وموقع الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، وليبيا الجديدة، وموقع جيل، وليبييون من أجل العدالة ومواقع أخرى. كما أنه يوم لإحياء ذكرى أولائك الصحفيين الذين فقدوا حياتهم بسبب تمسكهم بأخلاقيات مهنتهم مثل ما جرى مع الصحفى ضيف الغزال الشهيبى والصحفى محمد مصطفى رمضان أو اختفوا قسرا مثل ما حدث للصحفى عبدالله الضراط المختفى قسرا منذ عام 1973 والصحفى محمد هلال والكاتب الدكتور عمروالنامى.
2. ومن المؤسف أنه رغم التطورات الهائلة التى عرفتها حرية الصحافة واستقلال قطاع الإعلام فى أغلب دول العالم لا زال هذا القطاع فى ليبيا يعانى من هيمنة السلطة (النظام السياسى) الكاملة عليه وعدم وجود أي هامش لحرية الصحافة خاصة فيما يتعلق بالمواضيع والقضايا الهامة والمتعلقة مباشرة بحقوق المواطنة و بممارسة السلطة وتركيبتها والنظام السياسى وتجاوزاته القانونية والإدارية فى إدارته للشأن العام. كل هذه المواضيع التى تناقش فى أغلب دول العالم بكل حرية على صفحات الجرائد و فى منابر إذاعية وتلفزيونية حرة لا زالت تعتبرفى ليبيا حتى الأن "خطوط حمر" لا يسمح بالكتابة فيها أو النشر حولها.ِ والرابطة تنتهز هذه المناسبة لتؤكد بان الكتابة والنشر وحرية الرأي التعبير حول مواضيع "الخطوط الحمر" هي المحك الحقيقى لهامش الحرية الذى تتمتع به الصحافة والحرية التى يتمتع بها المواطن بصفة عامة ولن يمارس المواطن حقه فى معرفة الحقيقة وحقه فى التمتع بحرية الرأي والتعبير طالما استمرت السلطة فى اعتبار أهم مواضيع الشأن العام مواضيع محظورة من التداول العام ولن يتحقق وجود صحافة حرة فى ليبيا طالما استمرت السلطة فى وضع العوائق فى طريقها تارة تحت غطاء "حماية الثورة" وتارة بوضع "خطوط حمر" تحتكر بموجبها جميع أدوات النشر وتتحكم حتى فى تحديد المواضيع التى يمكن تناولها والمواضيع الممنوع الخوض فيها.
3. يعانى الإعلام، بما فيه الصحافة، فى ليبيا من سيطرة السلطة الكاملة عليه وهو فعلا مملوكا لها بالكامل أو لأجهزة تابعة لها مباشرة أو بطرق ملتوية بغية إلباسها ثياب الإعلام المستقل. وقد استمرت هذه السيطرة الكاملة، خلال السنوات المنصرمة، على جميع وسائل الإعلام من جرائد وإذاعات وتلفزيونات. والرابطة ليست فى حقيقة الأمر معنية ب"إمتيازات" النشرالتى منحتها السلطة الى بعض الشخصيات المعروفة ب"استقلاليتها" الفكرية و"نزاهتها" الشخصية لكتابة بعض المقالات خارج نطاق"الخطوط الحمر" أو تلك التى منحتها ل"مؤسسة القذافى للتنمية" دون غيرها لإقامة شبكة إعلامية مكونة من جرائد وإذاعة مسموعة واخرى مرئية ... ليست الرابطة معنية بهذه الإمتيازات، التى لا تخلو تماما من مرض "المحاباة" و"التفرقة على أساس الإنتماء الأسرى أوالقبلي" المنافى لحقوق الإنسان فى المقام الأول، بقدر ماهي معنية بحرمان بقية الليبيين من التمتع بنفس الإمتيازات. وتجدر الإشارة الى أنه فى حين قررت السلطة منح كل الإمتيازات للبعض فقد حرمت الأغلبية المطلقة من الليبيين من ابسط الحقوق. وما رفض السلطة لطلب إشهار "منظمة العدل لحقوق الإنسان"، وهي منظمة حقوقية إنسانية وطلب "مركز الديموقراطية" برغم الإرتباط الوثيق بين مفهوم الديموقراطية ومفهوم حرية الصحافة ، إلا دليل على أن العدل لا زال مغيبا عن أجهزة الدولة فى ليبيا.
4. لقد نبهت الرابطة فى مناسبات عديدة بأن "الإنفتاح" الإعلامى كالذى انبثق عن الإمتيازات التى منحت ل"مؤسسة القذافى للتنمية" يظل بدون معنى إلا إذا تبعه استعداد حقيقى وإرادة لانفتاح سياسى حقيقى لضمان استمرارالإنتفاح الإعلامى على الأقل . أما ان يكون انفتاحا إعلاميا وانغلاقا شبه كلي للحرية السياسية فهذا ما يدلل على عدم جدية السلطة فى تعاملها حتى مع أضيق هامش للإنفتاح الإعلامى الذى سوف يصل عاجلا او آجلا الى طريق مسدود، طريق تستغله السلطة للإنقضاض على مكتسبات "الإنفتاح" والتنكيل بأهم رموزه. وما عملية "الزحف" فى ساعات الصباح الأولى من يوم السبت 25 أبريل 2009 على المقر الرئيسى لتلفزيون وإذاعة "شركة الغد التابعة ل"مؤسسة القذافى للتنمية" وضمها الى جهاز الدولة الإعلامى الرسمى، "الهيئة العامة لإذاعات الجماهيرية"، إلا دليل على ان الإنفتاح الإعلامى لن يكون له معنى إلا إذا واكبه انفتاح سياسى حقيقي. إن الإنفتاح والإنتشارالإعلامى والصحفى وحرية الرأي والتعبير بصورة عامة هي أهم العناصر الضرورية لإقامة نظام ديموقراطى بالمعنى السياسى والإجتماعى مستند الى وضع دستورى فعال بحيث تكون الحرية الإعلامية جزءا أصيلا من تكوين النظام وليس هبة او امتياز مؤقت يمكن ان ينتهى فى اي لحظة مثل ماجرى للمحطات التلفزيونية والإذاعية التابعة لشركة الغد التى قرر العقيد القذافى إعادتها لأشراف السلطة المباشر بعدما أشرف على إدارتها ابنه السيد سيف الإسلام منذ افتتاحها فى عام 2007 . هذا وتشير بعض التقارير بأن السيد عبد السلام المشري رئيس مجلس إدارة شركة الغد التى أدارت تلك المحطات قد تعرض ولا يزال الى التحقيق من قبل جهات أمنية مختلفة كما تتعرض إحدى صحفيات محطة تلفزيون الشركة، الصحفية هالة المصراتى، الى نفس الإجراءات التعسفية. إن استمرار الإنفتاح لا يمكن له أن يكون مضمونا مادام هناك غياب لعناصر تكوين العمل الديموقراطى ذاته والإقرار دستوريا بمفهوم تداول السلطة وتكريس مبدأ فصل السلطات لضمان حياد الأجهزة السيادية فى الدولة على الأقل ووضع حد لاضطهادها اللاقانونى ل"الرأي الآخر" الذى يمثل الركيزة الأساسة لحرية الصحافة التى تمثل بدورها جزء لا يتجزأ من حرية الرأي والتعبير.
5. وفى تطور جديد ينذر بالمزيد من التضييق على حرية الصحافة واضطهاد صحفييها قامت "نيابة الصحافة"، وهي جهازحكومى (يغلب عليه الطابع الأمنى حتى ولو وضع تحت مسمى "نيابة) مكلف بمراقبة واستدعاء اصحاب الرأي من مثقفين وأساتذة جامعات وباحثين والتحقيق معهم وممارسة الإرهاب الفكرى والقمع المادى والمعنوى ضدهم ... قامت هذه النيابة بالتحقيق، فى فترات مختلفة من السنة المنفرطة، مع مجموعة من الصحفيين والمثقفين الذين وجهت لهم تهم التشهير والقذف وأمرت بتوقيفهم على ذمة التحقيق وحددت إقامتهم وألزمتهم بالتوقيع لدى النيابة العامة أسبوعيا. وقد شمل التحقيق كل من السادة:
1 . الصحفى محمد طرنيش، المدير التنفيذى ل"جمعية حقوق الإنسان" التابعة لمؤسسة القذافى للتنمية على خلفية مقال حول الفساد نشر فى صحيفة "مال و أعمال"
2. خليفة المقطف رئيس تحرير صحيفة "مال وأعمال"
3. الدكتور فتحى البعجة أستاذ العلوم السياسية بجامعة بنغازى(قار يونس) بسبب مقال حول أهمية الدستور ودوره فى إرساء قواعد الدولة الحديثة
4. محمود البوسيفى أمين عام مساعد لاتحاد الصحفيين العرب ورئيس تحرير صحيفة "أويا"
5. فيصل الهمالى صحفى بصحيفة "أويا"
6. الواقدى هارون صحفى بصحيفة "أويا"
7 . أشرف العبانى صحفى بصحيفة "أويا"
يضاف الى هذه القائمة استدعاء الأستاذة الجامعية والكاتبة نجوى بن شتوان التى نشر لها العديد من الأعمال الثقافية المتميزة والصحفى خالد المهير، مراسل سابق للجزيرة نت وموقع "ليبيا اليوم"، الذى استدعي الى طرابلس من بنغازى (1050 كيلومتر) من طرف نيابتي "أمن الدولة" و"الصحافة" اللتان يبديان وكانهما جهازين مكملين لبعضهما البعض. و تتوقع الأوساط الثقافية الليبية استدعاء المزيد من المثقفين وخاصة من اولائك النشطاء( 60 شخصية وطنية) الذين أصدروا بيانا موقعا طالبوا فيه السلطة، لأول مرة منذ أربعين سنة، بشجاعة ووضوح، باحترام حرية الرأي والتعبير وبإلغاء نيابة الصحافة والكف عن ملاحقات الصحفيين والمثقفين.
6. توجد كذلك مؤشرات جدية على تورط جهاز نيابة الصحافة فى توجيه الهجوم الذى تعرضت له مواقع إعلامية للمعارضة الوطنية الليبية على الأنترنت وتخريبها. وفى نفس السياق فقد أصدر نفس الجهاز تعليمات الى السفارات الليبية فى الخارج بمقاضاة أصحاب الجرائد والصحفيين فى البلدان المعتمدة لديها والذين ينشرون مقلات نقدية، مهما كانت درجة موضوعيتها، حول الشأن العام فى ليبيا. وتنفيذا لتلك التعليمات فقد تقدمت أخيرا السفارة الليبية فى الرباط بالمغرب بشكوى رسمية ضد ثلاث صحف مغربية هي "المساء" و"الجريدة الأولى" و"الأحداث المغربية" تتهمهم فيها بالحط من كرامة العقيد القذافى. وقد قام مكتب "وكيل الملك" (المدعى العام) بالتحقيق، فى إطار شكوى السفارة الليبية، مع كل من السيد رشيد نينى، مدير نشر يومية "المساء" والصحفى يونس مسكين من نفس اليومية والصحفى مختار لغزيوى من "الأحداث المغربية" إضافة الى السيد على أنوزلا، مدير" الجريدة الأولى". وقد سبق شكوى السفارة الليبية بالرباط شكوى مماثلة قدمتها السفارة الليبية بكمبالا، أوغندا، ضد صحيفة أوغندية، The Red Pepper، التى نشرت مقالا يوم الإثنين الموافق 16 فبراير 2009 تناول مواضيع شخصية تتعلق بالعقيد القذافى بصفته "ملك ملوك وأمراء إفريقيا" مع مرؤوس له ملك تقليدى من ملوك القبائل الأوغندية الذى ذكرت الجريدة أنه اهداها طائرة يقدر ثمنها ب52 مليون دولارا. وقد طالبت الشكوى من مدير الجريدة السيد بن بيارابا بدفع مبلغ 1000 مليون دولار كجبر للضرر الذى لحق بالعقيد القذافى جراء نشر ذلك المقال. يذكر كذلك ان شكوى السفارة اللليبية فى الرباط ضد صحفيين ليست بالأولى حيث تقدمت نفس السفارة فى سنة 2004 بشكوى مماثلة ضد الأستاذ مصطفى العلوى مدير نشر صحيفة "الأسبوع" الأسبوعية لإعادة نشره رسما كاريكاتوريا حول إعلان ليبيا عن تخليها عن برنامجها النووى. أما السفارة الليبية فى الجزائر فقد قامت بمقاضاة صحيفة "الشروق" اليومية بعد نشرها لمقال حول الأمن القومى الجزائرى وحركة الطوارق المسلحة. وقامت السفارة الليبية بالقاهرة بنفس العمل سنة 2007 حيث تقدمت بشكوى أمام القضاء المصرى فى حق جريدة "صوت الأمة" و"الدستور"بتهمة نشر مقالات تقول السفارة أنها تتضمن فى طياتها عبارات قذف بحق العقيد القذافى. كذلك وجه نفس المصدر فى سنة 2004 تهمة القذف وشتم العقيد القذافى الى 14 صحفيا مصريا بسبب مقالات كتبوها بخصوص قرار ليبيا التخلى عن برنامج أسلحة الدمار الشامل. ومن بين من وردت أسماؤهم في الشكوى عبد الله السناوي رئيس تحرير صحيفة العربي الناطقة بلسان الحزب العربي الديمقراطي الناصري، وعبد الحليم قنديل رئيس التحرير التنفيذي للصحيفة، ومحمد عامر رئيس تحرير صحيفة الحقيقة الناطقة بلسان حزب الأحرار، وعادل حمودة رئيس تحرير صحيفة صوت الأمة المستقلة.
تنتهز الرابطة مناسبة الإحتفال باليوم العالمى لحرية الصحافة لتوجه نداء الى من يملك السلطة فى ليبيا بالعمل الجاد من أجل:
ــ الكف عن الملاحقات القضائية والأمنية ضد الصحفيين والمثقفين والكتاب
ــ الكف الفورى عن مصادرة حرية الرأي والتعبير ورفع الرقابة على الصحافة لتأمين حريتها
ــ حل نيابة الصحافة فورا وتخصيص ميزانيتها لإنشاء نيابة خاصة بالفساد المالى والإدارى
ــ إزالة كل العقبات المعرقلة لتمتع المواطن بجميع الحريات والحقوق بما فى ذلك حقه فى معرفة الحقيقة
7. وبرغم الغموض وغياب الشفافية الذى يحيط باستقلالية وتوجه الهيئات الإعلامية والصحفية التابعة لشركة الغد الإعلامية فإن الرابطة تعلن تضامنها مع هذه الشركة التى استولت السلطات على ممتلكاتها بطريقة غير قانونية وتطالبها برد تلك الممتلكات والسماح للشركة بمواصلة عملها والإبتعاد عن أسلوب "الزحف" البدائى مستقبلا واللجوء الى القضاء لحل أي خلاف. كذلك تطالب الرابطة السلطات بالكف عن المضايقات الموجهة ضد موظفي الشركة والإبتعاد عن أساليب الإستفزاز التى لا تليق بمكانة الدولة وهيبتها. إن الرابطة ليست ضد وسائل الإعلام القائمة وإنما هي مع حق النشر للجميع وضد احتكار شريحة أو مجموعة ما لهذا الحق وحرمان بقية المواطنين من ممارسته والتمتع به فى حرية.
3 مايو 2009
«««««««««««««««
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق