الأربعاء، 30 سبتمبر 2009

واأقصاه ... واقدساه


في نفس الموعد وبنفس الطريقة، وبذات القيادة المجرمة، تتكرر ذات الوقائع، اقتحام للأقصى المبارك وبحماية جيش الاحتلال المجرم، وردة فعل باهتة ان وجدت أصلاً لا ترقى لمستوى الحدث الجلل، والتخطيط المحكم لتهويد المقدس الاسلامي، بعد أن استُكمل تهويد المدينة المباركة.
قلنا ونقول أن ما يجري ليس صدفة ولا حدث عابر، بل هو حلقة من سلسلة طويلة من الممارسات الممنهجة، والطقوس الدينية ذات الدلالات والمغازي، وفي مواعيد محددة بعينها، لا تطمس فقط هوية المدينة ومقدساتها، بل تسعى لتبديل التاريخ والحضارة، اقرأوا وراجعوا ما وثقه الشيخ سعود أبو محفوظ:
· في 2/10/1187م كان الفتح الصلاحي لبيت المقدس وهو ذات اليوم الذي تم فيه توقيع الرئيس الأمريكي على قرار الكونجرس بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ«اسرائيل».

· في 21/8/1969م كان حريق الاقصى بما يوافق بحسب مزاعمهم حريق الهيكل الموهوم.

· في 30/10/1991 كان مؤتمر مدريد في ذكرى خروج آخر مسلم من الاندلس قبل خمسة قرون.

· في 28/9/2000 كان اقتحام شارون للاقصى وهو بداية السنة العبرية التي اودت بالمسجد الابراهيمي في 28/9/1995م بحسب اتفاق طابا وكادت ان تودي بالبراق في 28/9/1929م كنتيجة للمظاهرة التي زحفت اليه من كل التجمعات اليهودية في فلسطين آنذاك.

· يذكر شمعون بيريس ان جولات اوسلو الاربع عشرة انتهت في 18/8/1993 وذلك كهدية من «ابو شريف» وعصفور في ذكرى عيد ميلاده الذي وافق ذلك اليوم ولكن التوقيع تأجل الى 13/9/1993 لانه مناسبة يهودية!

· في 15/5/1948 كانت نكبة فلسطين وقيام دولة العدوان مع ان ذروة احتفالاتهم بالمناسبة تتم سنوياً ضحى الثاني من ايار وهو ذات التاريخ الذي فتحها فيه عمر في 2/5/636م والغريب انهم يطلقون 21 طلقة من ذات البقعة التي وقف عليها عمر وايحاءات ذلك لا تخفى على احد، لقد احتلت القدس27 مرة وأُحرقت 17 مرة، فتحها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، لم يحرق ولم يسلب ولم ينهب ولم يقتل من أهلها أحد ، دخلها عمر ولم يجد فيها يهوديا واحدا، ودخلها موشي ديان ووجدها مليئة بالعرب ، العرب كانوا مادتها وهم سكانها علي مر العصور والدهور.

وبعد كل هذا وذاك اقرأوا وراجعوا مرة أخرى ماذا تبقى من القدس في اطار التهويد الكامل الذي استحكمت حلقاته، وبقي طرد وابعاد من تبقى من مقدسيين، وفي هذا الشأن يقول د. محسن صالح في 13/06/2005، أي قبل أربع سنوات ويزيد، وقبل الهجمة التهويدية الأخيرة:
ولذا لا بد من الإشارة أن هناك قدسا غربية احتلت سنة 1948 وهي تمثل في الحقيقة 84.1% من المساحة الكلية للقدس في ذلك الوقت، فيما مثلت القدس الشرقية التي ظلت للإدارة الأردنية حتى سنة 1967 نحو 11.5% من مساحة القدس، أما الباقي وهو 4.4% فقد كان منطقة منزوعة السلاح وتحت رقابة الأمم المتحدة.
القدس الغربية، تعود ملكية 85% من أرضها للعرب إلا أن الكيان الإسرائيلي قام بتهويدها بالكامل وبنى أحياءه اليهودية فوقها وفوق أراضي القرى العربية المجاورة لها، مثل قرية لفتا التي بُني عليها البرلمان الإسرائيلي "الكنيست" وعدد من الوزارات، وقرى عين كارم ودير ياسين والمالحة وغيرها.
مصادرة وتهويد
احتلت القوات الإسرائيلية القدس الشرقية في 7 يونيو/حزيران 1967، وبعد ثلاثة أسابيع أعلن الإسرائيليون توحيد القدس تحت إدارتهم المدنية، ثم أعلنوها في 30 يوليو/تموز 1980 عاصمة موحدة للكيان الإسرائيلي.
ولسنا هنا بصدد الدخول في تفصيلات الاعتداءات والمصادرات الإسرائيلية للقدس ولكن المراقب يجد نفسه أمام عملية تهويد منظمة ونشطة للقدس لتحقيق "قدسٌ يهودية" معزولة عن محيطها العربي والإسلامي، وهو ما تتفق عليه قوى اليمين والوسط واليسار الإسرائيلي.
ونجد أنفسنا أمام خمسة محاور تركيز وعمل تتناغم مع بعضها لتهويد المدينة:
1) المسجد الأقصى: لا يظهر أن هناك خلافا بين اليهود على ملكية الأرض التي يقوم عليها المسجد الأقصى (يسمونها جبل المعبد)، وإنما يتركز الخلاف على اختيار التوقيت المناسب للسيطرة عليها وبناء الهيكل مكان الأقصى.
ولسنا بحاجة للتذكير بجريمة إحراق المسجد الأقصى سنة 1969، ولا بالحفريات تحته والتي دخلت مرحلتها العاشرة، ولكن الملفت للنظر أن عمليات الاعتداء على الأقصى قد زادت بشكل كبير بعد اتفاق أوسلو 1993.
فقد كان عدد الاعتداءات المسجلة عليه في الفترة 1967-1990 حوالي 40 اعتداء، لكن الفترة 1993-1998 شهدت 72 اعتداء. وفي العام الماضي وحده (سنة 2004) تمّ تسجيل 16 اعتداء.
لقد أحدث إعلان منظمة رباباه اليهودية المتطرفة عن خطتها اجتياح المسجد الأقصى بعشرة آلاف مستوطن ردود فعل كبيرة في العالم الإسلامي.
ورغم أن هذه المنظمة لم تتمكن من تحقيق هدفها في اليوم الذي حددته في 9 نيسان/أبريل 2005 بسبب استعداد وجاهزية الفلسطينيين لمواجهته وحالة الإثارة العالمية حول مشروع الهجوم، فإنها أعلنت أنها ستقوم بالمحاولة نفسها كلّ شهر.
وخطورة الموضوع تكمن في أن هناك 25 منظمة متطرفة مشابهة لها، ثم إن هناك مخاوف من حالة البرود واللامبالاة التي قد تصيب الناس مع الزمن نتيجة تكرار مثل هذه الأخبار، بحيث يصبح اقتحام الأقصى خبرا عاديا.
2) القدس القديمة: وهي القدس المسورة التي لا تزيد مساحتها عن ألف دونم، وهي في قلب الصراع على المدينة. فبعد بضعة أيام من احتلال القدس قام الإسرائيليون بتدمير حي المغاربة (135 بيتا ومسجدان) وجعله ساحة لعبادتهم مقابل حائط البراق (أو ما يسمونه حائط المبكى).
وسيطر الصهاينة على كل حارة الشرف (الحي اليهودي)، كما سيطروا على الحي الأرمني، وتغلغلوا في الحي المسيحي (خصوصا بعد سيطرتهم على دير مار يوحنا الكبير سنة 1992)، وتمكنوا حتى الآن من وضع اليد على سبعين بؤرة سكنية في الحي الإسلامي في القدس. (تاريخ الموضوع عام 2005)
وقد زاد اليهود نفوذهم مؤخرا من خلال الصفقة التي تورط فيها بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية إيرينيوس والتي شملت فندقين و27 محلا.
3) الطوق الاستيطاني: وحتى تحكم السلطات الإسرائيلية سيطرتها على القدس الشرقية، وحتى تصادر أكبر قدر ممكن من الضفة الغربية، قامت بتوسيع مساحتها من 6.5 كيلومترات مربعة إلى أن بلغت 123 كيلومترا مربعا سنة 1990.
كما استولت على 86% من أراضي القدس ومنعت الفلسطينيين من استخدام 10% من الأرض، ليبقى لهم 4% فقط، وأنشأت 11 حيا يهوديا في القدس الشرقية، ثم أحاطتها بطوق آخر من 17 مستوطنة يهودية إلى أن بلغ عدد اليهود شرقي القدس نحو 200 ألف مستوطن.
4) جدار الفصل العنصري: وحتى يكتمل الخناق حول القدس بدأت السلطات الإسرائيلية ببناء جدار عازل حول القدس الشرقية يصل طوله إلى نحو 72 كيلومترا، حيث تم بناء 26 كيلومترا منه فعلا.
وتُبنى فكرة مسار الجدار على:
1. ضم أكبر قدر من الأرض الفلسطينية.
2. ضم أقل عدد من السكان الفلسطينيين.
3. ضم المستعمرات اليهودية حول القدس وتأمين تواصلها الجغرافي.
ووفقا للتقديرات، فإن الجدار سيعزل 18 قرية وبلدة فلسطينية يسكنها 220 ألف فلسطيني عن القدس، وهي قرى وبلدات تشكل امتدادا طبيعيا لها، وترتبط بها اقتصاديا واجتماعيا، وهو ما سيحرمها أيضا من مصدر رزقها الرئيسي.
ويمزق الجدار النسيج الاجتماعي لمنطقة القدس، إذ يشق قرية السواحرة التي يبلغ سكانها 25 ألفا فيضع 10 آلاف شرق الجدار و15 ألفا آخرين غرب الجدار، ويقطع الجدار قرية أبو ديس فيعزل حي أم الزرازير وحي خلة عبد عن باقي القرية.
كما يشطر ضاحية السلام غربي قرية عناتا إلى شطرين، ويقسم قرية بيت حنينا الفوقا إلى قسمين، ويفصلها عن 7 آلاف دونم من أراضيها الزراعية، ويحيط الجدار بقرية الجيب ليصادر 85% من أراضيها.
وهكذا، فمع اكتمال بناء الجدار ستجد محافظة القدس أنها فقدت 90% من أراضيها. ثم إن استكمال هذا الطوق الخطير على القدس يعني باختصار عزل 617 موقعا مقدسا وأثرا حضاريا عن محيطها العربي والإسلامي.
5) التضييق على السكان العرب: إن الـ4% المتبقية من مساحة القدس الشرقية هي التي يستطيع أن يعيش فيها أكثر من 230 ألف فلسطيني، والحصول على رخصة بناء بيت هو حلم يحتاج نحو خمس سنوات مع مصاريف تصل إلى 25- 30 ألف دولار أميركي، وهو إنجاز لا يحصل إلا نادرا.
والسلطات الإسرائيلية لا تسمح عادة بصيانة المباني وترميمها أو توسيعها وزيادة طوابقها. وعندما يضطر المقدسي إلى البناء دون ترخيص يكون الهدم مصير بيته كما حدث لـ170 وحدة سكنية سنة 2004 ، ولـ157 وحدة سكنية سنة 2003.
وإذا اضطر المقدسي للسكن خارج بلدية القدس في مناطق الضفة الغربية المجاورة فإن قانون "مكان الإقامة" الإسرائيلي سوف يلاحقه، ويصادر بطاقته المقدسية ويحرمه من السكن في القدس.
فقد تمت مصادرة 6381 بطاقة هوية مقدسية في الفترة 1967-2000. وتلاحق المقدسي الضرائب والإغلاقات العسكرية وتحرشات اليهود المستوطنين.
وأشارت تقديرات حديثة إلى أن 58% من أبناء القدس في حالة فقر. وهكذا فإن هناك سعيا إسرائيليا حثيثا لتفريغ القدس من أهلها العرب.
ماذا بقي؟
العمل الصهيوني الدؤوب المنظم لإلباسها وجها يهوديا لا يكاد يبقي شيئا من القدس التي نعرفها. إن شارون وحكومته ليسوا في عجلة من أمرهم في عملية التفاوض لأن هذا يعطيهم فسحة أطول من الوقت لمزيد من التهويد وفرض الحقائق على الأرض.
ربما لم يبق إلا القليل من الأرض. ولكن في المقابل بقي الكثير من مشاعر العزة والكرامة وحب الدفاع عن المسجد الأقصى والقدس في نفوس أبناء فلسطين – انتهى كلام د. محسن صالح.
إنه بيت المقدس، إنه الأقصى يا قوم، تتداعى الأمم للاجتماع في شرم الشيخ أو غيرها ان جُرح مغتصب، تثور ثائرتهم لاغتيال شخص هنا أو هناك، ينتفضون دفاعاً عن أقليات تمردت، أو مقدسات مزعومة تغبّرت، أما نحن فلا حياة لمن تنادي، حتى المظاهرات باتت حلماً.

صرنا نتمنى عبارات التنديد والاستنكار والشجب والادانة، تلك العبارات التي كنا نستهزيء بها لأنها لا تُقدم ولا تُأخر، أصبحت هي الأخرى من الممنوعات، وفوق هذا وذاك ينتظر مجرمو الاحتلال بوادر حسن النية العربية، والتحالف المقدس العبري العربي ضد الخطر القادم من الشرق، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

مرة أخرى نذكّر بما قاله قبل أشهر مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، زياد الحموري، أن تكثيف عمليات هدم المنازل في القدس، تهدف لتخفيض عدد السكان الفلسطينيين حسب المخططات الإسرائيلية، و إبقاء 72-80 ألف مواطن مقدسي يحملون الهوية المقدسية.

وأشار الحموري، إلى أنه حسب التصريحات الإسرائيلية سوف يتم المزيد من الهدم وعزل المدينة المقدسة عن باقي المدن والقرى المحيطة بالمدينة.

وأكد مدير مركز القدس أن المخططات الإسرائيلية في القدس استكملت بشكل شبه كامل، والقادم هو عبارة عن لمسات أخيرة نحو مصادرة عقارات، ومصادرة ما تبقى من بعض الأراضي الفلسطينية والخطط القادمة وهي خطة "زاموش"، وهي خطة تجميلية لتغيير معالم القدس من إقامة "تلفريك" من فوق القدس القديمة، وكراجات وأنفاق من الأسفل، وحذر الحموري من الأخطار القادمة الذي تهدد إقامة المواطن المقدسي. وقال "إن كافة الإجراءات التهويدية اتخذت بعد (اتفاق) أوسلو، في الوقت الذي يمنع فيه أي نشاط تابع للسلطة الفلسطينية داخل المدينة،وذلك حسب الاتفاقية".
لكن رغم كل هذا المصاب والبلاء، نعلم يقيناً لا تخميناً، بأن حقنا لن يضيع، وان النصر حليفنا طال الزمن أم قصر، وبأننا وان كنا نعيش أياماً حالكة، وان كنا نخسر جولة وجولات، إلا أن المعركة ستحسم لصالح الحق، لصالح أصحاب الأرض المتجذرين فيها.

من مقال للدكتور ابراهيم حمامي
-- مؤسسة الحق الفلسطيني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق