الاثنين، 30 مارس 2009

جريمة بوسليم: المطلوب ... اعتذار رسمي للشعب الليبى





30 مارس 2009

1. تواصل الرابطة الليبية لحقوق الإنسان متابعته التطورات المهمة والسريعة التى عرفها ملف مجزرة سجن بوسليم التى فقد فيها وفى يوم واحد، يوم 28 يونيو1996، أكثر من 1200 سجين حياتهم إثر "تجراهم" على مطالبة السلطات بتحسين أوضاعهم السجنية، بما فيها مطالبتهم بالسماح لأهاليهم بزيارتهم ومعرفة مكان اعتقالهم واحترام حقهم فى اختيار محامين للدفاع عنهم وحقهم فى الخروج من العزلة التامة والطويلة (التى دامت شهورا للبعض وحتى سنوات للبعض الآخر) عن بقية العالم وحتى عن أطفالهم وأزواجهم ووالديهم. ولم تخرج كل هذه المطالب عن مانصت عليه "القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء" التى لم يفت السطات الليبية وممثليها أي اجتماعا أو مؤتمرا دوليا إلا واكدوا احترامهم لها وتعهدوا بتطبيقها فى السجون الليبية. وبعد كل هذه السنين من المماطلة والتجاهل والتسويف اضطرت السلطات أخيرا الى الإعتراف بحدوث الجريمة وأخطرت حتى الأن أكثر من 600 اسرة بوفاة ابنهم أو فى بعض الحالات أبنائهم فى يوم 20 يونيو 1996 ، اي بتأخير فى الإخطار تجاوزال 12 سنة كاملة. ولم يشتمل الإخطار على أي تفاصيل عن طريقة الوفاة أو مكانه او مكان دفن الجثة أو سبب كل هذا التأخر الذى يبدو ان القتلة كانوا ولايزالوا يراهنون على عامل الزمن والتقادم بهدف إحداث النسيان إذا أمكن أو بالحد، على الأقل، من تأثير حدة ردود فعل أهالى الضحايا. وتندرج التعويضات الزهيدة المعروضة على أقارب الشهداء فى الإطار ذاته اي فى إطار التحكم فى ردود الأفعال وهي لا تعدو كونها "رشوة" من السلطة للمحافظة على سقف ردود فعل أهالى الضحايا فى حدوده الدنيا والتمكن من مواصلة إدارتها للملف لصالحها. إن التعويضات ينبغى ان تحددها الضحية وليس الجلاد ولنتذكر ان تعويضات لوكربى (10 ملايين دولارا عن كل ضحية) حددها أهالى الضحايا بالتشاور مع حكومة الولايات المتحدة وليست "اللجنة الشعبية العامة" أو "اللجان الثورية".

2. وعلى ذكر التعويضات فلا بد ان يكون واضحا للجميع ان من حق أقرباء الضحايا القيام بعمل مايرونه مناسبا لهم كما انه يجب ان يكون واضحا كذلك ان اي إجراء قد يقومون به لن يكون له اي تأثير على جوهر الجريمة التى هي بجميع المقاييس جريمة ضد الإنسانية وقضية وطنية تخص الشعب الليبى بأسره وبجميع مكوناته وأطيافه. ومن حق هذا الشعب بل من واجبه مواصلة المطالبة بمعرفة الحقيقة حول ماجرى فى بوسليم وتدوينها للأجيال القادمة. إنه من حق الشعب الليبى وايضا واجبه مطالبة الدولة بتقديم الإعتذار الى الشعب الليبى كله على جريمة بوسليم . فلم يقتلوا شهداء بوسليم بسبب شجار أو "بزنس" أو مخدرات أو بسبب السطو على المال العام بل قتلوا لكونهم دافعوا، خطأ او صوابا، على ما كانوا يعتقدون انه حرية وكرامة الشعب الليبى . لقد قتلوا لأنهم كانوا يطالبون باحترام السلطة لحقوق الليبيين ومنها حقهم فى اختيار من يحكمهم فى انتخابات عامة حرة ونزيهة وحق الشعب الليبى فى حرية الرأي والتعبير وحقه فى قضاء مستقل الى آخره ...هذا هو الامر الذى ارتاته السلطات الليبية سببا لقتلهم وهو ذات نفس السبب الذى قتل من اجله عشرات اللليييين، قبل بوسليم وبعد بوسليم، ولم نسمع عنهم او عن تعويضاتهم شيئا. إننا بدورنا، كجزء من الشعب الليبى ، نطالب ونحث النخب بالمطالبة ليس بالتعويض الذى هو جزء لا يتجزأ من اي حكم قضائى نزيه يصدر بخصوص ملف بوسليم، بل نطالب بتقديم كل من له علاقة بجريمة مجزرة بوسليم الى محاكمة عادلة لسد طريق الإفلات من المحاكمة والعقاب فى وجه المسئولين عن جريمة بوسليم. إن الهدف الرئيسى من التعويضات المطروحة هو محاولة ضمان افلات المسؤولين عن المذبحة من المحاكمة والعقاب والإلتفاف على ملف القضية وقفله. إننا نطالب الدولة بتقديم اعتذارا رسميا الى جميع الليبيين على ما اقترفته من انتهاكات لحقوق الإنسان وخاصة انتهاك الحق فى الحياة والذى بدونه يفقد الإنسان جميع حقوقه . لقد عرفت حقبة السبعينيات والثماننينيات الكثير من حالات التعويض فى عدة بقاع من العالم مالبثت ان تحولت هذه التعويضات الى آلة قامت الانظمة الإستبدادية الآيلة الى الزوال بتحويلها لصالحها وذلك سعيا منها لتنظيم إفلاتها من العقاب ما دام الوقت يسمح بذلك. وقد واجهت الشعوب التى عرفت هذا النوع من الخداع الإدارى والسياسى بقوة وحزم وافشلت كل خطط المستبدين الخاصة بإفلاتهم من العقاب. ولعلم الليبيين ومعرفتهم ان الإفلات من العقاب يحدث، مثل ماهو الوضع فى قضية بوسليم التى مضى على وقوعها قرابة الثلاثة عشر سنة،.. يحدث هذا الإفلات حين تخل الدولة بالتزاماتها بالتحقيق فى الإنتهاكات واتخاذ التدابير المناسبة إزاء مرتكبي هذه الإنتهاكات، ولا سيما فى مجال القضاء من خلال ضمان ملاحقة ومحاكمة الأشخاص المشتبه بمسؤوليتهم الجنائية وفرض عقوبات مناسبة عليهم.

3. كذلك لابد أن يعرف الليبيون ان للشعب الليبى، كبقية الشعوب، حق غيرقابل للتصرف فى معرفة الحقيقة عن قضية بوسليم والجرائم الشنيعة الأخرى ، من حالات القتل خارج نطاق القانون التى حدثت فى الثمانينيات والتسعينيات وكذلك حالات الإختفاء القسرى المتهمة فيها الدولة الليبية، وعن الظروف والأسباب التى أفضت، نتيجة الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، الى ارتكاب هذه الجرائم. كذلك لا بد أن يعرف الجميع أن الممارسة الجادة للحق فى معرفة الحقيقة هو ضمانة حيوية وأساسية لتفادى تجدد وقوع مثل هذه الإنتهاكات. أن الحق فى معرفة الحقيقة لا يتعلق بالنسبة لقضية بوسليم كونه مجرد حق فردي يتمتع به أقرباء الضحايا فحسب، بل هو حق وطنى أصيل يهدف الى استئصال أسباب الجريمة وضمان تلافى تكرارها. إن من حق الليبيين معرفة تاريخ حوادث اضطهادهم وصونه من أي تشويه قد يحدث له حتى يتم إدراجه بأمانة فى سجل تاريخ الوطن ويصبح جزءا لا يتجزأ من تاريخهم. ومن هذا المنطلق تنتهز الرابطة هذه المناسبة الأليمة لتطالب السلطات اللليبية بوضع قضية بوسليم فى المسار الصحيح لها وذلك باتخاذها التدابير المناسبة، بما فى ذلك التدابير اللازمة لضمان استقلالية ونزاهة القضاء وفعاليته. إننا نطالب ب:

أولا.
إصدار اعتذار رسمي للشعب الليبى يشتمل على تعهد واضح لأسر ضحايا الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان فى بوسليم وفى اي مكان آخروذلك باحترام كل ما يقرره القضاء والتقيد به ودفع المبالع المحكوم بها لجبر الضرروالتعويضات المستحقة نتيجة تلك الإنتهاكات.

ثانيا

انهاء دور الأجهزة الأمنية فى قضية بوسليم بما فى ذلك إيقاف اتصال تلك الأجهزة بأهالى الشهداء وسحب جميع ملفات القضية منها وإحالة جميع مايخص قضية بوسليم من وثائق وملفات الى القضاء والمحاكم الجنائية مع ضمان خاص باستقلاليتها وتعهد بعدم تدخل أجهزة الدولة ، امنية ام غير أمنية، فى عملها ومداولاتها

ثالثا :
تعهد بتقديم كل الأشخاص الذين يطلبهم القضاء لغرض التحقيق والمحاكمة وتقديم كل المتطلبات المادية والبشرية واللوجستية التى تتطلبها المحاكمة.

رابعا:
تقديم تعهد علنى بتنفيذ الأحكام ضد أي شخص تثبت المحكمة تورطه فى الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بما فى ذلك جريمة بوسليم، ويصدر ضده حكم منها

4. تطالب الرابطة كذلك بإنشاء "لجنة حقيقة" خاصة بقضية بوسليم يراعى فى اختيار اعضائها اتسامهم بالنزاهة والكفاءة. كما ينبغى تشكيلها على أسس تضمن استقلال أعضائها ولا سيما عدم جواز عزلهم خلال فترة ولايتهم. وينبغى ان يتمتع أعضائها بالإمتيازات والحصانات اللازمة لحمايتهم. ولابد ان يكون واضحا ان الغرض من لجنة التحقيق ليس ان تحل محل المحاكم، التى تملك وحدها الإختصاص فى إقرار المسئولية الفردية الجنائية للمتورطين قبل البث عند الإقتضاء فى مسألة الإدانة ثم فى العقوبة، بل أن تقوم (لجنة الحقيقة) بمهمة موازية من اجل تجميع ما يمكن تجميعه من وثائق وشهادات من اجل الحفاظ على الذاكرة الوطنية. ويجب تحديد مهمة اللجنة بوضوح لتجنب تنازع الإختصاصات والتى لا يمكن ان تخرج عن ملف جريمة بوسليم والتشعبات المتصلة به. ويجب ان تشمل تحقيقات اللجنة كافة الأشخاص المدعى عليهم فى ادعاءات الجريمة سواء أمروا بارتكابها أو ارتكبوها وسواء كانوا فاعلين أو متواطئين وسواء كانوا موظفين فى الدولة أو تابعين لمجموعات مسلحة حكومية رسمية أو شبه حكومية مثل "اللجان الثورية".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق